تحذيرات أممية من وقوع إبادة جماعية في السودان

هيئة التحرير24 يونيو 2025آخر تحديث :
تحذيرات أممية من وقوع إبادة جماعية في السودان

حرب عبثية لا رابح فيها .. تحذيرات دولية من تفاقم الأوضاع في السودان وتحولها إلى كارثة إنسانية تصل لحد الإبادة جماعية

تحاول قيادات الجيش وعلى رأسها قائد القوات المسلحة عبدالفتاح البرهان تحميل قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي” كامل المسؤولية عن اندلاع الحرب واستمرارها

يتمسك حميدتي بخطاب سياسي يدعو إلى الحوار والحل السلمي وقد أعلن أكثر من مرة استعداده لوقف إطلاق النار والدخول في مفاوضات جادة

وجهت منظمات حقوقية سودانية ودولية اتهامات إلى الجيش السوداني بارتكاب انتهاكات جسيمة في مناطق سيطرته خاصة في ولاية الجزيرة

حميدتي : نحن نحترم جيراننا المصريين وأي إشكال يمكن حله بالحوار والنقاش في ما بدا تراجعا عن سلسلة انتقادات حادة كان قد وجهها سابقا للسلطات المصرية

الخرطوم/ النهار

 تصاعدت التحذيرات الدولية من تفاقم الأوضاع في السودان وتحولها إلى كارثة إنسانية تصل لحد الإبادة جماعية، في ظل استمرار الحرب الأهلية بين الجيش وقوات الدعم السريع، واتهامات متبادلة بانتهاك حقوق الإنسان وارتكاب جرائم مروعة، وسط غياب بوادر جدية للحل السلمي.

وحذّرت مسؤولة رفيعة في الأمم المتحدة، الإثنين، من أن خطر وقوع إبادة جماعية في السودان لا يزال “مرتفعًا جدًا”، مشيرة إلى استمرار الهجمات ذات الدوافع العرقية، خصوصًا في إقليم دارفور. وقالت فرجينيا غامبا، وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة والمستشارة الخاصة بالإنابة للأمين العام أنطونيو غوتيريش بشأن منع الإبادة الجماعية، إن الطرفين المتحاربين في السودان “ارتكبا انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان”، محذرة من مغبة استمرار هذا النمط من العنف دون تدخل دولي عاجل.

 

وأضافت غامبا، خلال جلسة لمجلس حقوق الإنسان في جنيف، أن “ما يقلق تفويضي بشكل خاص هو الهجمات المستمرة التي تستهدف مجموعات عرقية معينة، لا سيما في منطقتي دارفور وكردفان”، موضحة أن قوات الدعم السريع والميليشيات العربية المتحالفة معها “تواصل شن هجمات بدوافع عرقية ضد قبائل الزغاوة والمساليت والفور”، وهي جماعات عانت من مآسي مشابهة خلال النزاع في دارفور قبل عقدين.

لكن في المقابل، وجهت منظمات حقوقية سودانية ودولية اتهامات إلى الجيش السوداني بارتكاب انتهاكات جسيمة في مناطق سيطرته، خاصة في ولاية الجزيرة التي شهدت حملات مداهمة واعتقالات واسعة، فضلاً عن استهداف المدنيين والبنى التحتية. وتتهم تقارير حقوقية الجيش باستخدام الطيران الحربي بشكل عشوائي في مناطق مأهولة بالسكان، مما تسبب في مقتل وإصابة مئات المدنيين.

وتحاول قيادات الجيش وعلى رأسها قائد القوات المسلحة عبدالفتاح البرهان، تحميل قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي” كامل المسؤولية عن اندلاع الحرب واستمرارها، معتبرين أن الحسم العسكري هو الطريق الوحيد لإعادة الاستقرار إلى البلاد. وقد كرر البرهان في أكثر من مناسبة أن الجيش “لن يسمح بتقسيم السودان ولن يفاوض من وصفهم بالميليشيات المتمردة”.

وفي المقابل، يتمسك حميدتي بخطاب سياسي يدعو إلى الحوار والحل السلمي، وقد أعلن أكثر من مرة استعداده لوقف إطلاق النار والدخول في مفاوضات جادة تفضي إلى إنهاء الصراع، وهو ما تراه بعض الأطراف محاولة لكسب تعاطف المجتمع الدولي. ويؤكد قادة الدعم السريع أن الجيش يرفض كل المبادرات السلمية ويصر على الخيار العسكري رغم الكلفة الإنسانية الفادحة.

ويأتي هذا التصعيد في الخطاب السياسي والميداني في وقت يواصل فيه المدنيون دفع الثمن الأكبر. فمنذ اندلاع النزاع في أبريل/نيسان 2023، قُتل عشرات الآلاف ونزح نحو 13 مليون شخص من مناطقهم، أربعة ملايين منهم لجؤوا إلى دول الجوار. وتصف الأمم المتحدة الأزمة الإنسانية في السودان بأنها “الأسوأ في العالم”، مع تحذيرات متزايدة من خطر المجاعة وتفشي الأمراض نتيجة لانهيار النظام الصحي.

وكانت محكمة العدل الدولية رفضت الشهر الماضي دعوى رفعها السودان ضد دولة الإمارات، اتهمها فيها بالتواطؤ في ارتكاب إبادة جماعية من خلال دعم قوات الدعم السريع، وهي اتهامات نفتها الإمارات بشدة. وقالت المحكمة إنها لا تملك الاختصاص للنظر في القضية، ما أُعتبر انتكاسة لمحاولات الخرطوم تصعيد الملف على الساحة الدولية.

ومع استمرار المعارك وتعثر المساعي السياسية، تتزايد المخاوف من تحوّل الصراع في السودان إلى حرب استنزاف طويلة الأمد تهدد بتفكيك الدولة وتوسيع رقعة الإبادة الجماعية، في ظل عجز المجتمع الدولي عن اتخاذ خطوات فاعلة لوقف النزاع وحماية المدنيين.

كما وجه قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، رسائل لطي صفحة الخلاف مع مصر عبر الحوار المباشر، مؤكدا أن الخلافات الثنائية “لا تحل عبر المشاحنات الإعلامية”، وذلك بعد سيطرة قواته على المثلث الحدودي، مشيرا إلى أنها تعمل على تأمين المنطقة التي تنتشر فيها بؤر الإرهاب والإجرام والمخدرات بجانب تأمين حدود دول الجوار ممثلة في مصر وليبيا وتشاد مع عدم وجود أي مشكلة من قبلهم مع دول الجوار.

وجاءت تصريحات حميدتي خلال خطاب جماهيري ألقاه أمام عدد من مقاتليه في موقع غير معلن بإقليم دارفور، حيث أشار إلى وجود جهات، وصفها بـ”المجرمين”، تسعى إلى تخريب علاقة قواته مع دول الجوار، وعلى رأسها مصر.

وقال حميدتي “نحن نحترم جيراننا المصريين، وأي إشكال يمكن حله بالحوار والنقاش”، في ما بدا تراجعا عن سلسلة انتقادات حادة كان قد وجهها سابقا للسلطات المصرية، متهما إياها بدعم الجيش السوداني في الصراع المستمر.

ويعتبر خطاب قائد الدعم السريع بأنه يحمل رسائل تهدئة ومساعي لاحتواء الخلافات وتأكيد على حسن الجوار، بعكس خطاب الجيش السوداني الذي يحمل اتهامات وتصعيدا سياسيا ضد دول إقليمية تعمل على حشد الجهود للتوصل الى السلام، لأن مساعيها لا تتلاقى مع مطامعه في البلاد.

كما اعتبر أن سيطرة قوات الدعم السريع هذا الشهر على مثلث “عوينات” الحدودي، الواقع بين السودان ومصر وليبيا، تمثل “فرصة لتعزيز الأمن الإقليمي”، مشيرا إلى أن المنطقة كانت مرتعًا للإرهاب وتهريب المخدرات والاتجار بالبشر.

وفي جانب آخر من خطابه، توعد دقلو بمحاسبة من وصفهم بـ”المتفلتين والمجرمين” في المناطق الخاضعة لسيطرة الدعم السريع، مشيرا إلى تجهيز سجون خاصة لهذا الغرض، كما وعد قواته بصرف الرواتب المتأخرة منذ اندلاع النزاع في أبريل/نيسان 2023، بأثر رجعي.

ولم تغب التصريحات الهجومية عن الجيش السوداني، إذ أكد حميدتي أن قوات الجيش “تقلصت إلى حد كبير”، مهددا بـ”سحق ما تبقى منها”، لكنه حرص في الوقت ذاته على توجيه تطمينات إلى سكان شمال السودان.

وأضاف حمديتي، التزامه بتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية إلى مختلف أنحاء دارفور، في ظل التزايد الكبير لأعداد النازحين الفارين من مناطق الاشتباكات في الخرطوم والجزيرة والرهد وأم روابة والحوازمة.

كما وجه حميدتي رسالة تصالحية إلى قادة الحركات المسلحة المتحالفة مع الجيش، قائلا “ليس لدينا مشكلة مع ناس مني وجبريل، ولو أتوا إلينا اليوم، فمرحبا بهم”، في إشارة إلى مني أركو مناوي، قائد حركة تحرير السودان، وجبريل إبراهيم، رئيس حركة العدل والمساواة.

وأعلنت قوات الدعم الأسبوع الماضي، تخصيص قوات لحماية وتأمين الحدود على المثلث الحدودي بمنطقة العوينات بالتنسيق مع دول الجوار.

وكانت العوينات تحت سيطرة جزئية للحركات المسلحة المتحالفة مع قوات بورتسودان، وتضم عشرات الآلاف من النشطين في قطاع التعدين غير الشرعي والتهريب الذي يغذي عمليات الميليشيات الحربية.

وأوضحت قوات الدعم السريع، أنها ستعمل على تأمين المعبر الذي طالما استغلته حركات المرتزقة في التعاون مع عصابات تجارة المخدرات وتجارة السلاح والجريمة العابرة للحدود بما يهدد الأمن الإقليمي والدولي.

وأشارت إلى أن السيطرة على هذه المنطقة الحيوية تفتح الباب أمام تعاون فعّال مع دول الجوار في مجالات مكافحة الإرهاب وضبط الحدود وتعزيز الاستقرار المشترك، ومحاربة ظاهرة الاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية.

وخلال أقل من أسبوع من سيطرة قوات الدعم السريع، أعلنت شعبة الإعلام الحربي التابعة لقوات “القيادة العامة” في ليبيا عن تنفيذ عدة عمليات نوعية.

وكشفت كتيبة “سبل السلام”، المتمركزة على الحدود الليبية – السودانية، عن انفجار سيارة مُحملة بالأسلحة والذخائر في أثناء مطاردتها جنوبي شرق البلاد يوم الجمعة الماضي، مشيرة إلى أنها تسللت إلى الأراضي الليبية.

وفي عملية أخرى، ألقت القبض على مجموعة من المعتقلين كانوا يحاولون تهريب وقود وأسلحة وذخائر ومعدات اتصالات إلى بعض الحركات المسلحة مقابل مبالغ مالية ضخمة، وذلك ضمن ما عدّته الكتيبة “جهود قوات الجيش الليبي لحماية أمن الحدود ومكافحة التهريب”.

وعلى صعيد متصل أظهر تقرير البنك الدولي أن الحرب في السودان تسببت في انكماش الاقتصاد بنسبة 13.5 بالمئة عام 2024، مع ارتفاع معدل الفقر إلى 71 بالمئة وارتفاع البطالة إلى 47 بالمئة، وتنادي التوصيات بتحقيق السلام كشرط للتعافي.

وكشف البنك الدولي في تقرير حديث بعنوان “العواقب الاقتصادية والاجتماعية للنزاع: رسم طريق للتعافي” عن تداعيات كارثية للحرب الدائرة في السودان منذ أبريل/نيسان 2023.

وسلط الضوء على أحد أكثر الأزمات الإنسانية والاقتصادية تعقيداً في العالم حالياً، والتي تتطلب جهوداً دولية مكثفة لإنقاذ ملايين السودانيين من براثن الفقر والجوع.

الحرب الاقتصاد السوداني أكثر من 700 مليار دولار، محدثة دمارا هائلا في البنية التحتية الأساسية بما في ذلك شبكات المياه والكهرباء.

وأظهرت البيانات انكماش الاقتصاد السوداني بنسبة 13.5بالمئة إضافية خلال عام 2024، بعد أن فقد ثلث قيمته تقريباً في العام السابق بانكماش بلغ 29.4 بالمئة.

وتحول السودان إلى بؤرة لأكبر أزمة نزوح في العالم، حيث أجبر 12.9 مليون شخص على الفرار من منازلهم. ووصلت الأزمة إلى ذروتها مع إعلان مجاعة في أحد المخيمات أغسطس/آب الماضي، وتشير التقديرات إلى ارتفاع معدل الفقر المدقع إلى 71 بالمئة من السكان، بعد أن كان 33 بالمئة فقط في 2022، بينما قفزت البطالة إلى 47 بالمئة مقارنة بـ32 بالمئة سابقاً.

وسجل التضخم معدلات قياسية وصلت إلى 170 بالمئة خلال 2024، مترافقاً مع انهيار حاد لقيمة الجنيه السوداني. كما تراجعت الإيرادات الحكومية إلى 4.7 بالمئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل 10 بالمئة في 2022، مما أفقد الدولة قدرتها على تقديم الخدمات الأساسية.

واعتبر البنك الدولي مؤشرات أداء السياسات والمؤسسات في السودان أقل من متوسطات أداء دول رابطة التنمية الدولية لأفريقيا جنوب الصحراء، وهي آخذة في التراجع.

وأشار إلى نقاط ضعف كبيرة خاصة في المؤسسات وإدارة القطاعين الاقتصادي والعام. مضيفا إن التحديات المستمرة قوضت الجهود التي بذلت قبل الانقلاب لتنفيذ الإصلاحات الهيكلية، وفاقمت مواطن الضعف في الاقتصاد الكلي، وعمقت هشاشة البلاد.

وقد عانت القطاعات الرئيسية الأساسية للتنمية المستدامة، مثل الزراعة والتعليم والصحة، من سوء الإدارة، مما أعاق مسيرة السودان نحو الانتعاش الاقتصادي والاستقرار.

ورغم أن القطاع الزراعي كان يمثل 35 بالمئة من الناتج المحلي ويعمل به أكثر من 40 بالمئة من القوى العاملة، إلا أنه تعرض لضربات قاسية بسبب امتداد النزاع إلى المناطق الزراعية الحيوية مثل ولاية الجزيرة، وانخفض الإنتاج الوطني من الحبوب بنسبة 46 بالمئة خلال 2023.

ويرى البنك الدولي أن عودة الاقتصاد السوداني إلى مستويات ما قبل الحرب لن تتحقق قبل 2031 على الأقل، مشدداً على ضرورة تحقيق السلام أولاً كشرط أساسي لأي تعافٍ مستدام.

وقال البنك في تقرير الثلاثاء، إنه وحتى في حال تم الوصول لحل للصراع خلال الأشهر المقبلة، وطبقت إصلاحات هيكلية هامة، فمن غير المرجح أن يعود اقتصاد السودان إلى مستوى الناتج المحلي الإجمالي الذي كان عليه قبل الصراع قبل عام 2031.

وتتضمن توصيات البنك: استئناف مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون وإصلاح نظام الدعم الحكومي وتوحيد سعر الصرف وإعادة هيكلة الإنفاق العام لصالح القطاعات الاجتماعية وإعطاء أولوية للاستثمار في الزراعة والتعليم والصحة

ويواجه السودان أزمة صحية عامة مع تفشي العديد من الأمراض وخروج 70 في المئة من المستشفيات عن الخدمة وتراجع القدرة على الوصول للخدمات الصحية الى 17 في المئة من السكان البالغ تعدادهم نحو 48 نسمة.

عاجل !!