فى السابق كان الاتجاه التأثرى أو الانطباعى هو السائد ولكن بعد ظهور المنهج البنيوى والتفكيكى ومااستجد من مناهج نقدية
تغيرت النظرة كليا للنصوص فأمسى الناقد النابه يرى المتوارى ( اللامدوّن ) او ماتعارف عليه — بما وراء السطور — لأنه مفتاح الظاهر الملتبس –
اذكر بعجاله تعريفين للنص :
1- يقول د- محمد العبد فى كتابه النقدى (اللغة والابداع الادبى ) :
النصوص كليات مترابطة الاجزاء فالجمل تتبع بعضها بعضا وفق نظام سديد وهو مايعرف بالتماسك الدلالى )
2- اما د- صلاح فضل فى كتابه (بلاغة الخطاب وعلم النص ) فيقول :
النص جملة من الابنية المركبة ذات أمتدادات متعددة تخضع شفراتها المتعرجة للتحليل فى خط طولى –
(الكتابين فى مكتبتى )
من هنا يظهر مبدأ ( البنية ) وهو مجموعة من الشروط ترتبط بعلاقه يتم تحديدها من مكونات النص تتشيىء من بنى صغرى ( جمل وفقرات ) وصولا للبنية الكبرى ( المتن ) مفتاحها العنونة كعتبة أولى أو مدخل
ولو أسترجعنا الماضى لعرفنا ان هذا المفهوم لم يألفه البلاغيون والنقاد العرب ( القدامى ) ربما بسبب طغيان القصيدة ذات الشطرين والتركيز على البيت كوحدة قائمة من خلال تظافر ألفاضه ووحدة معانيه وكما قال الجرجانى العظيم
(الالفاظ خدم المعانى )
ربما إنكسر هذا الطوق الكونكريتى على يد قصيدة التفعيلة منذ منتصف القرن العشرين فقد تحول البحث من بلاغة الجملة الى بلاغة النص وما لحقه من تمظهرات خارجية –
فالقصيدة القديمة أىٍ كان قائلها تعرف بمبدأ ( بيت القصيد )
اما القصيدة الحديثة فقد توسعت مراميها واهدافها و أساليب سبكها فشملت عدة بحور لأنجازها فهى متعددة الاغراض والنوايا !
ومن باب الانصاف فأن الموشح الاندلسى هو البادى بالتغيير قبل التفعيلة لكونه أحدث شرخاً فى النسيج العام لبنية القصيدة العربية –
ومن الطريف ذكره ان سدنة الموشح كانوا على ( وجلٍ منه ) ورغم نجاحهم الهائل فى اشبيليا وقرطبة كانت عيونهم ترنو الى بغداد ” خشية النقد والتسقيط ” لكوّن بعض القصائد الشهيرة (مستعجلة ) حوت حوشى الكلام وغريبه ؛ ناهيك عن السوقي المستهجن (*)
لاننسى أن بعض الراجحين العرب أمثال على أحمد باكثير وجماعة أوبللو وجماعة الديوان واحمد لطفى السيد وما ألتحق بهم من
( الشاميين والمصريين ) أرادوا تسجيل قصب السبق لصالحهم ولكن محاولاتهم لم توفق ولم يؤخذ بها لأسباب يطول شرحها فى هذه الأطلالة المسرعة
فخروج قصيدة التفعيلة عن ألمألوف الدارج جعلها تفتش عن مضامين جديدة أفرزها العصر الشائك المرير فى معظم بلداننا العربية !
ولما كثرت تلك المضامين والرؤى بحث الرواد عن أفاق رحبة تستوعب طموحها وافكارها الجديدة –
واول من اقتحم هذا الميدان هو السياب حين سخر الاسطورة اليونانية والاغريقية وبعضا من ايام العرب وامثالهم بل حتى التراثيات الشعبية العراقية فى نسيج قصائده –
ولهذا قالت نازك الملائكة :
(انها ليست دعوة لنبذ المدرسة الفراهيدية بل البحث عن طرق تساير العصر الراهن )
فقصيدة التفعيلة ومضامينها وأشراقاتها المستحدثة تجلت على يد السياب ونازك وسعدى والبياتى اولاً وبلند ومن تبعه عرباً وعراقيين ثانياً وهى التى فتحت الباب للقصيدة المدورة بالانتشار والتوسع –
ونقاد الشعر يعتبرون ( قصيدة العمود هى الأم وبناتها بالتبنى – التفعيلة وقصيدة النثر والمدورة )
( * ) اغلب الموشحات كانت تعمل نهاراً لغرض عرضها فى مجالس السهر والأنس ليلاً ، فطبيعة شبه جزيرة إيبيريا ( الاندلس ) ساحرة جميلة وادعة لم يألفها الاّباء الفاتحون فى جزيرتهم العربية القاحلة –