بزشكيان ينفي تواطؤ دول الجوار مع اسرائيل

هيئة التحرير8 يوليو 2025آخر تحديث :
بزشكيان ينفي تواطؤ دول الجوار مع اسرائيل

خطاب مسعود بزشكيان حمل نوعاً من التراجع عن الخطاب المتشدد الذي طالما تبنته بعض المؤسسات الإيرانية تجاه الجيران العرب ولا سيما دول الخليج

ايران تريد فتح صفحة جديدة مع دول والهجمات الاسرائيلية أقنعت الايرانيين بضرورة تعزيز العلاقات مع دول الجوار

بدأت إسرائيل بدعم مباشر من الولايات المتحدة عدواناً واسعاً على الأراضي الإيرانية استمر 12 يوماً، واستهدف مواقع عسكرية ومراكز أبحاث نووية ومنشآت مدنية

سرعت إيران في وتيرة ترحيل المهاجرين الأفغان بعد حربها مع إسرائيل فيما وجهت إلى البعض من اللاجئين تهمة التجسس لصالح الدولة العبرية

طهران/ وكالات

 أكد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان أن الأجهزة الأمنية في بلاده لم ترصد أي دلائل على دعم عسكري أو لوجستي من الدول المجاورة للهجمات الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت إيران ما يمثل تبرئة للدول المجاورة من التورط في دعم الهجمات. وجاءت هذه التصريحات في وقت تتداول فيه شائعات وتكهنات إعلامية بشأن احتمال تورط بعض دول المنطقة، أو سماحها باستخدام أراضيها أو أجوائها، في العدوان الذي تعرضت له إيران منتصف يونيو/حزيران الماضي.

وقال بزشكيان خلال اجتماع محلي نقله الإعلام الإيراني “على عكس ما تم تداوله، لم تؤكد مؤسساتنا الأمنية وجود أي تعاون عسكري بين دول الجوار والنظام الصهيوني، بل على العكس، أبدت بعض هذه الدول استعداداً لتقديم إمدادات إنسانية وأساسيات خلال الأزمة”، مشيراً إلى أن بلاده تولي أهمية خاصة لتعزيز العلاقات الأخوية مع الدول المجاورة.

أبدت بعض هذه الدول استعداداً لتقديم إمدادات إنسانية وأساسيات خلال الأزمة

ويمكن قراءة تصريحات بزشكيان كمحاولة واضحة لإعادة ضبط العلاقة مع دول الجوار، وخصوصاً دول الخليج، التي سبق أن تعرضت لانتقادات حادة من قيادات سياسية وعسكرية إيرانية، من بينها شخصيات بارزة في الحرس الثوري، اتهمت بعض العواصم الخليجية بأنها ستدعم أي هجوم غربي محتمل على طهران. لكن، وعلى الرغم من تلك التصريحات السابقة، فقد تبنت دول مجلس التعاون الخليجي مواقف رسمية رافضة للتصعيد، ودعت إلى التهدئة، وعبّرت عن إدانتها لأي عدوان يهدد أمن واستقرار المنطقة.

وخلال الهجمات التي شنتها إسرائيل بدعم أميركي على إيران، لم يصدر عن دول الخليج أي موقف يشي بالتواطؤ أو المشاركة. بل كانت البيانات الرسمية من عواصم الخليج تتسم بالدعوة لضبط النفس والحفاظ على استقرار الإقليم، مع التأكيد على رفض أي تدخل عسكري خارجي في شؤون الدول. كما أن الضربات الجوية الأميركية التي استهدفت منشآت نووية وعسكرية في إيران لم تُنفذ من قواعد أميركية موجودة في دول الخليج، وهو ما أكده مسؤولون غربيون، في إشارة إضافية إلى أن الهجمات لم تحظَ بدعم مباشر من حلفاء واشنطن الإقليميين.

في 13 يونيو/حزيران، بدأت إسرائيل، بدعم مباشر من الولايات المتحدة، عدواناً واسعاً على الأراضي الإيرانية استمر 12 يوماً، واستهدف مواقع عسكرية ومراكز أبحاث نووية ومنشآت مدنية، كما شمل اغتيالات لقادة عسكريين بارزين وعلماء نوويين. وقد وصف بزشكيان هذا العدوان بأنه محاولة “لإضعاف إيران وكسر شوكتها”، مؤكداً أن “المنتصر الحقيقي هو الشعب الإيراني، الذي أظهر تماسكا وصموداً استثنائياً”.

من جهتها، ردّت إيران بقصف مواقع عسكرية واستخبارية إسرائيلية في عمق الأراضي المحتلة، مستخدمة صواريخ بالستية وطائرات مسيّرة. وقد أسفر التصعيد عن مقتل وإصابة عشرات العسكريين وتدمير مواقع حساسة داخل إسرائيل. وفي 24 يونيو، أعلنت الولايات المتحدة عن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين الجانبين، بعد وساطات إقليمية ودولية، لاحتواء التوتر وتفادي انزلاق المنطقة إلى مواجهة أوسع.

وفي حديثه، أشاد بزشكيان بما وصفه بـ”الوحدة الوطنية” التي تجلت خلال الحرب، مشيراً إلى أن “تعليمات وسياسات المرشد الأعلى علي خامنئي لعبت دوراً محورياً في إدارة المعركة وتوجيه الرد الإيراني”، على حد قوله.

وفي الوقت ذاته، لم تغفل تصريحاته الإشارة إلى ضرورة بناء علاقات إقليمية متينة بعيداً عن الشكوك والاتهامات. فبشكل ضمني، حملت كلماته نوعاً من التراجع عن الخطاب المتشدد الذي طالما تبنته بعض المؤسسات الإيرانية تجاه الجيران العرب، ولا سيما الخليج. وهذا التحول، وإن لم يكن جذرياً، يعكس إدراك القيادة الإيرانية الجديدة لأهمية العلاقات مع دول الجوار، خاصة في ظل الضغط الدولي والعقوبات، وفي مرحلة ما بعد التصعيد.

طوال فترة التوتر، تمسكت دول مجلس التعاون الخليجي بمواقف متوازنة، حيث دعت إلى تجنيب المنطقة مزيداً من التصعيد، وأكدت في أكثر من مناسبة على رفضها لاستخدام أراضيها أو أجوائها كمنصة لأي عمليات عسكرية ضد إيران. كما أدانت بعض العواصم الخليجية التصعيد الإسرائيلي، واعتبرت أن استمرار الأعمال العسكرية يعمّق أزمات المنطقة ويهدد أمنها الجماعي.

في ضوء هذه التطورات، يمكن اعتبار تصريحات بزشكيان بمثابة رسالة تهدئة مزدوجة: من جهة إلى الداخل الإيراني في محاولة لحشد التأييد الشعبي وتعزيز الثقة في القيادة الجديدة، ومن جهة أخرى إلى الخارج، وخصوصاً نحو دول الخليج، لتأكيد رغبة طهران في فتح صفحة جديدة من العلاقات الإقليمية، خالية من الشكوك والصراعات. وبينما تبقى التحديات قائمة، إلا أن لغة الخطاب الإيراني بدأت تعكس توجهاً أكثر براغماتية، قد يشكل مدخلاً لإعادة بناء الثقة في المنطقة.

الى ذلك سرعت إيران في وتيرة ترحيل المهاجرين الأفغان بعد حربها مع إسرائيل فيما وجهت إلى البعض من اللاجئين تهمة التجسس لصالح الدولة العبرية، بينما يبدو أن النظام الإيراني يتخذ من هؤلاء كبش فداء بذريعة حماية الأمن القومي للبلاد.

 

كان المواطن الأفغاني عناية الله أصغري يراقب بخوف كيف بدأت إسرائيل وإيران تبادل الهجمات الشهر الماضي وكيف تحولت الدولة الواقعة على الخليج التي لجأ إليها إلى بلد أكثر عدائية وكيف اختفت فرص العمل بمواقع البناء في طهران واتُهم بالتجسس.

 

أصغري (35 عاما) واحد من بين عشرات الآلاف من الأفغان الذين رحلتهم إيران إلى بلدهم خلال الأسابيع القليلة الماضية في أعقاب صراع تقول الأمم المتحدة إنه يهدد بمزيد من زعزعة استقرار أفغانستان التي تعاني بالفعل من أزمة إنسانية.

 

وقال في نهاية رحلة عودة عائلته الطويلة إلى غرب أفغانستان “من الصعب حتى العثور على مكان للإيجار، وإذا وجدت واحدا، لا تقدر على تحمل تكلفته… ولا يوجد عمل على الإطلاق”.

 

وأضاف أنه ليست لديه أي فكرة عما يجب أن يفعله بعد ذلك في وطنه الذي يعاني من عزلة دولية منذ سيطرة مسلحي حركة طالبان الإسلامية على السلطة في 2021.

 

وتشير تقديرات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أن إيران رحلت أكثر من 30 ألف أفغاني يوميا في المتوسط إلى وطنهم خلال الحرب، وهو ما يزيد بنحو 15 مرة عن نحو ألفي شخص في السابق.

 

وقالت فاطمة مهاجراني المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية الثلاثاء “سعينا دوما أن نكون مضيفين جيدين لكن الأمن القومي له الأولوية ومن الطبيعي أن يعود المواطنون المقيمون بطريقة غير شرعية”، مضيفة أن “هذا لا يعني طردا بل عودة إلى وطنهم”، من دون أن تتطرق إلى عملية مطاردة الجواسيس.

 

وتبادلت طهران وإسرائيل الهجمات ثم انضمت الولايات المتحدة إلى الصراع باستهداف منشآت لتخصيب اليورانيوم في إيران قبل التوصل إلى وقف لإطلاق النار في الأسبوع الماضي أنهى حربا استمرت 12 يوما.

 

وقال أفغان مرحلون ومسؤولون يعملون في المجال الإنساني خلال مقابلات إن إيران كانت قد بدأت بالفعل هذا العام اتخاذ إجراءات صارمة ضد الرعايا الأجانب، ومن بينهم الأفغان، استنادا إلى أسباب تتعلق بالأمن القومي لكنها كثفت جهودها خلال الصراع.

 

نُعامل الآن جميعا كجواسيس. يقولون إن الأفغان انحازوا لأعدائهم وعليهم العودة

 

وقدرت السلطات الإيرانية أن حوالي 2.6 مليون أفغاني كانوا يعيشون في البلاد من دون وثائق قانونية في عام 2022 بعد سيطرة طالبان على كابول مع انسحاب القوات الأجنبية بقيادة الولايات المتحدة.

 

وقال أصغري “اعتبرونا جواسيس مشتبها بهم وعاملونا بازدراء… بدءا من عامة الناس إلى الشرطة والحكومة، كانوا يرددون دائما: أنتم الأفغان أول أعدائنا، دمرتمونا من الداخل”.

 

وعبّر عرفات جمال، ممثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في أفغانستان، خلال مقابلة عن شعوره بالقلق من ردة الفعل، لأن الغضب من الضربات قد ينصب على الأفغان في إيران.

 

وقال لرويترز في كابول “لقد خاضوا حربا مخيفة للغاية ونحن نتفهم ذلك، ولكننا نشعر أيضا بأن الأفغان ربما أصبحوا كبش فداء وأن بعض الغضب بات ينصب عليهم”.

 

وحذر من قلق متزايد من “عاصفة” قد تضرب أفغانستان مع طرد باكستان المجاورة أيضا النازحين الأفغان في حملة ضخمة لإعادتهم إلى وطنهم بدأت في عام 2023.

 

وأضاف أن اقتصاد البلد، الذي أصابته العقوبات المفروضة على القطاع المصرفي بالشلل منذ سيطرة طالبان على السلطة، يزيد من تفاقم مشاكل البلاد، فيما يواجه الآن خفضا حادا للمساعدات التي تقدمها العواصم الغربية، متابعا أن كل هذا يمهد “لقدر كبير من عدم الاستقرار في المنطقة بكل تأكيد”.

 

وحصلت عمليات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في أفغانستان على أقل من ربع التمويل اللازم هذا العام.

 

وتقلص برنامج المساعدات لأفغانستان إلى 538 مليون دولار فقط، بعد أن وصل إلى 3.2 مليار دولار قبل ثلاث سنوات. وعاد أكثر من 1.2 مليون أفغاني من إيران وباكستان خلال العام الجاري، وفي كثير من الأحيان دون أن يكون معهم سوى ما يرتدون من ثياب وما يستطيعون حمله من أمتعة.

 

وتقول طهران إنها ستواصل إجراءاتها ضد المهاجرين غير الشرعيين. وأضاف المتحدث باسم الحكومة “لدينا مهاجرون شرعيون، كثير منهم شعراء وكتاب وأطباء وعمال مهرة، لا نريد أن نطرد الجميع”.

 

واستدرك “لكن عندما يتعلق الأمر بالمهاجرين غير الشرعيين، سيتم تنفيذ السياسات الوطنية المنصوص عليها”. وقال أحمد فؤاد رحيمي (26 عاما) إنه حصل على تأشيرة عمل صالحة في إيران لكنه قرر العودة الشهر الماضي بسبب قلق عائلته عليه جراء الحرب.

 

وفي طريق عودته، أُلقي القبض عليه ووضع في معسكر احتجاز، حيث قال إن السجناء يحصلون على القليل من الطعام والماء، وتتم مصادرة هواتفهم المحمولة أثناء احتجازهم، وفُرضت عليهم أسعار مرتفعة مقابل الانتقال عبر الحدود.

 

وأضاف “قبل الحرب، كنا نتلقى تحذيرا على الأقل في المرة الأولى، وفي المرة الثانية كنا نتعرض للترحيل”، متابعا “نُعامل الآن جميعا كجواسيس. يقولون إن الأفغان انحازوا لأعدائهم وعليهم العودة”.

وفي ظل تصاعد الضغوط الغربية عليها بعد الضربات الإسرائيلية الأخيرة، بدأت إيران تُعيد ترتيب أولويات سياستها الخارجية، واضعةً الانفتاح على الخليج العربي، وعلى رأسه السعودية، في صدارة استراتيجيتها الإقليمية. ويبدو أن طهران باتت تُدرك أن تحسين العلاقات مع دول الجوار الخليجي لم يعد خيارًا دبلوماسيًا فقط، بل ضرورة لحماية أمنها القومي وضمان استقرارها الداخلي.

هذا التوجه تجلّى بوضوح في الرسالة التي بعث بها وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان، والتي سلّمها سفير طهران لدى الرياض، علي رضا عنايتي، إلى نائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي، الأربعاء، بحسب ما أورد التلفزيون الإيراني الرسمي.

وحملت الرسالة مضامين تؤكد رغبة طهران في “تطوير وتعزيز العلاقات في جميع المجالات”، في تعبير مباشر عن التحوّل الذي طرأ على أولويات إيران في المنطقة، وسط قناعة تتعزز داخل دوائر صنع القرار الإيراني بأن العزلة السياسية باتت تشكّل تهديداً مباشراً لأمن واستقرار البلاد، لا سيما بعد التصعيد العسكري الأخير مع إسرائيل، وما سبقه من تضييق اقتصادي غربي غير مسبوق.

وعلى مدى سنوات، اتسمت علاقة إيران بدول الخليج العربي، خاصة السعودية، بالتوتر والحذر. إلا أن السنوات القليلة الماضية شهدت تحوّلاً تدريجياً بدأ بتوقيع اتفاق استئناف العلاقات الدبلوماسية بين طهران والرياض في مارس/آذار 2023، بوساطة صينية، بعد قطيعة دامت منذ 2016 إثر الهجوم على البعثات الدبلوماسية السعودية في إيران.

ومع عودة التمثيل الدبلوماسي الكامل في سبتمبر/أيلول 2023، أُعيد فتح السفارات، وتوالت الزيارات الرسمية بين الجانبين. وعلى الرغم من الحذر الذي لا يزال يكتنف العلاقة، إلا أن الطرفين أظهرا التزامًا سياسيًا بتجنّب التصعيد والعمل على إدارة الخلافات بالحوار.

لكن التصعيد الأخير بين إسرائيل وإيران، واختراق المجال الجوي لعدد من الدول خلال الضربات الجوية، دفع طهران إلى مراجعة أولوياتها الإقليمية. فقد باتت مقتنعة، كما يقول مراقبون، بأن تعزيز العلاقات مع السعودية ودول الخليج لم يعد مجرد تحسين صورة، بل بات ضرورة استراتيجية لتخفيف الضغوط المتعددة التي تتعرض لها.

وكانت مجلس التعاون الخليجي وخاصة السعودية نددوا بالهجوم الإسرائيلي على إيران وهو موقف ثمنته الحكومة الإيرانية.

ويرى خبراء في الشأن الإيراني أن طهران باتت تُدرك أن الحفاظ على علاقات مستقرة مع الخليج، خصوصاً مع السعودية، يمكن أن يُشكّل مظلّة أمان تساعدها على تجنب المزيد من العزلة، وتوفر لها هامشاً من الاستقرار في محيط جغرافي بات أكثر هشاشة.

وفي هذا السياق، تبرز أهمية ملف اليمن، حيث مثل استهداف الحوثيين للأراضي السعودية قبل سنوات وبقاء هذا التهديد يضع شكوكا بشأن أفق هذا التقارب. ووفق مصادر دبلوماسية، فإن الرياض تضع مسألة أمنها القومي كأولوية غير قابلة للمساومة في علاقتها مع إيران، وهو ما بدأ يُفرض على طهران ضغوطًا داخلية لإعادة النظر في علاقتها مع الجماعة الحوثية.

 

من جهتها، تعي إيران أن أي فرصة لتحسين علاقتها مع السعودية تتطلب منها أن تُظهر جدية في التهدئة اليمنية، سواء عبر الضغط المباشر على الحوثيين أو من خلال تسهيل مسارات التسوية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة. ويُنظر إلى ذلك كاختبار حقيقي لنيات طهران تجاه احترام الأمن الخليجي على المدى الطويل.

ولا يمكن إغفال الدور الصيني في التقارب الإيراني – السعودي. فبكين، التي لعبت دور الوسيط خلال مفاوضات استئناف العلاقات، تنظر إلى استقرار المنطقة كعنصر حاسم في مشروعها الطموح لـ”الحزام والطريق”، وترى في تخفيف التوترات بين طهران والرياض ركيزة لاستقرار اقتصادي وجيوسياسي أوسع.

وقد ساعدت هذه الوساطة على بناء قنوات تواصل جديدة بين الطرفين، شملت ملفات أمنية واقتصادية وثقافية، فيما بدأت أطراف خليجية أخرى، مثل الإمارات وقطر، بالتقارب أيضاً مع إيران، في إطار ما يُعرف بسياسة “خفض التصعيد الشامل”.

رغم المؤشرات الإيجابية، فإن هذا المسار لا يخلو من العقبات. فهناك أصوات داخل المؤسسة السياسية الإيرانية لا تزال ترى أن الانفتاح على الخليج يجب ألا يكون على حساب ملفات النفوذ الإقليمي، مثل اليمن والعراق وسوريا ولبنان. كما أن استمرار التوتر مع الولايات المتحدة وإسرائيل، واحتمال اندلاع موجات عنف جديدة، يمكن أن يعرقل هذا التقارب أو يحدّ من تأثيره.

في المقابل، فإن الرياض، وإن كانت منفتحة على العلاقة مع طهران، إلا أنها تشترط رؤية أفعال ملموسة من إيران تتجاوز الخطابات، تشمل احترام السيادة الخليجية والكف عن دعم الجماعات المسلحة، وتوفير بيئة آمنة لاستقرار المنطقة.

وفي المحصلة، يبدو أن إيران قررت التوجّه نحو الخليج كجزء من استراتيجية “تخفيف الضغط عبر تحسين الجوار”، وهو تحول نابع من إدراك حقيقي لتغير البيئة الدولية والإقليمية. لكن ترجمة هذا التوجّه إلى نتائج ملموسة، ستتوقف على مدى التزام طهران باحترام الأمن الخليجي، واستعدادها للتنازل في ملفات النفوذ الحساسة، خصوصاً في اليمن.

ويعتقد أن التقارب مع الرياض لا يمنح إيران غطاءً سياسياً فحسب، بل يوفر لها فرصة لبناء استقرار طويل الأمد في محيطها المباشر… إن أحسنت استثماره.

 

عاجل !!