النَّص المستطيل فرض عين ..فرض طرازٍ وحداثة للكاتب واثق الجلبي في نصه ( إلا رأسه) / الناقد الاعتباري / حميد العنبر الخويلدي

هيئة التحريرمنذ 38 دقيقةآخر تحديث :
CREATOR: gd-jpeg v1.0 (using IJG JPEG v62), quality = 75
CREATOR: gd-jpeg v1.0 (using IJG JPEG v62), quality = 75

هذا النَّصُ من النصوصِ المستطيلة التي اصطلحنا عليها في منهجيات أصحابنا الاعتبارية ، والتي تعتمد مآلها النسبي اطّراداً كمستوى فزيولوجي بنيوي خلّاق يوازن بين ظاهر الشكل وبين باطن العمق ، و بتراصفية من الجمال والفن المتواشجين ، تعتمد العبارةَ المنتقاةَ وفق الشروط التلقائية للفعل والصيرورة ، فلعلّها البُنى الوسيعة للتحشيد والتكثيف قدر المعنى الادبي المرجو ، وكأنَّ المنتجَ العارف وبرشاقةٍ باهرةِ العوامل يستدعي التاريخَ من جذوره لحد ما تتحمّل رؤى آفاقه في راهنيتها المتوثّبة ، يُعبّأ وبمكاشفةٍ ولياقةٍ تامّتينِ ومن دون تنشيز او تكلفةٍ تخاطراً مع اسلوبيات العَوَز الواقعي ونقوصاته ، وبطورٍ من المثال الميتافيزيقي المُشع قدريّاً ، باعتبارها خبطةً تخاطريةً جدليةً تصاغ بتقانات ذهنِ فنانٍ معاصرٍ يخدم غرضَه الخاصَّ والعام معاً ، *في الحَبكة أولاً ، * وفي فعل الصورة ثانياً ، * وفي زهوة الرؤيا البليغة التي ترفع بالنَّص نحو الذروة ثالثاً ، * وفي المقاربات التي تثير روحَ التّتابع الفردي للمقارنة الشكلية حتى ولو بحساب جملة واحدةٍ ، أو في التّتابع الجامع للإيحاء اللامتناهي والذي يوحي بالغموض الجميل للكلّيات الوجودية المترابطة و المختلفة وفق قوة التركيز المطلوب ، وكأنها تظليلات رسّامٍ يزيد باللون من أجل اظهار معنى تصويري يضيف ما يجب إضافته من الشَّدِّ والجَذب رابعاً ، * و في التقابلات والتجاورات المعمارية التي تنحَتُ جثمانَ الصور وضبط تصاميمها والحركة بحاصلها المراد تطابقاً ،خامساً * و في الاستعارات والجناسات كحرفيات قلم بديع ولمسةِ كاتب قطع مستوى بلوغ تجربته مع الوقت سادساً ،  وفي نكهة المبتدع الجلبي البغدادي من باب الشخصانية الخاصة به ، والذي بدوره زرع بذورَ الضوء في هذا البناء المستطيل . ومن صفة تخيُّلٍ نمت وترعرعت في مراحل صيروراتها مع شارع المتنبي في مكتباته وأدواته ودروس مناهجه ومناخاته ، كون الفنان يمر بأدوار استحالة متميّزة لصنع كهاناته وخصوصيات مزاجه ، وفي نفس الوقت وكما كان يراود ظهوره في الساحة ، ليرى فارسَه في فوزه وخسارته أحياناً ،سابعاً نعم الفنان تدفع به طاقة مسكونٌ بها منذ أن اقرَّهُ  الوجودُ بتكوينه بل من قبل ذلك ، واثق الجلبي مبدع يزاول تنويعات حداثية مبهرة ، وصاحب توثيقات وأسناد لها تسميتها في شريط ذاكرته الإبداعية لو تتبعناه من باب السيرة الادبية والسلوك ، في نتاجه هذا أبدعَ ، راصفَ ، ثابرَ بفلسفة ناعمة أحيت الطرازَ المستطيل كما نسميه وننفرد بتسمية هكذا نصوص ، وحسب الابعاد الواضحة في القصيدة ، طول وعرض وارتفاع وهذي حدود شكل مرئي، وعمقٌ في الزمن غائصٌ لا ينتهي ، وذروةٌ حد أن تُريكَ سماء مدهشةً من القناعات المفتوحة الدوائر ، واثق الفنان يرفض غلق الابواب في كتاباته ، لولا ما تغلقه الضروراتُ أحياناً من أجل الحصر والتركيز ، مَرِنٌ في رياضات ممكناته ورموزه الفنية ، اللغةُ تأخذ كاملَ حريتِها في ميدانه، تتنفس عبقَ مواسمها الربيعية ، حيوية شذيّة زاهية ندية، هكذا مِسُوحُ الألفاظ عنده ، هكذا مِسوحُ الصورة ، ومِسوحُ الاستطالة كطراز يفرض نفسَه في ساحة الثقافة الشعرية الآن.

ومن باب التفسيرية لهذي الاستطالة التي نبحثُ بها كمصطلحٍ ، ننظّرُ له من وجهتنا الفكرية ، نقول انَّ الخطّان المتوازيان لا يلتقيان بحكم ضرورة امتدادها الرياضية كونياً وان طالا ، هذا تحديد مؤكّد للشكل طبعاً وللكتلة السردية ، هنا يتجلّى من خلالهما الطول والامتداد ويتجلّى العرض كذلك وهذي صفات المكانية المفتوحة غير المغلقة ، بذات الدور يظهر المطلع وهو نقطة شروع الكاتب المبدع ، وبايِّ عمل فني ، ولو برعي اغنام أو بمشروع صناعي ما ، هذا جذر شروع نعم حدَّدنا الانطلاقة وروح ونكهة زمن الاجتهاد في الموضوع وفي فلسفته الشعرية والجمالية ، الأفق الذي ينتهي به العمل الادبي مهما كان فتجده ذاتَ دائرةٍ مفتوحة حتمياً ، كل نصوص الادب مفتوحة الدوائر ، اذاً طول و عرض و ارتفاع قياسي للبُنية أو للكتلة السردية يجاري وجود الغرض مهما كانت النتيجة سلباً وايجاباً ، والأهم من هذا وهو جديد فكرتنا نضيف مصطلحَ الغائص الزمني أو حاصل حركة الحدث بما فيه روح الآني والتاريخي كلازمتينِ جدليتين تحملان النصَّ والنَّاصَّ والمتلقي حيثما واجهَ موضوعَه الجمالي، هذا الحراك الفني بمجموعه ضمن خطّي الاستطالة التي نشير نقدياً . ومن خلالها نسمي مثل هكذا نصوص عند الجلبي المستطيلة .

………………………..

النص

إلا رأسه

في نشاطٍ ذهني عصفَ بهِ كما جرت مجاذيفُه السائبة كأضلاعه التي لا يعلم أين مستقرها وقف أمام سعفة ميتة مدهوشا ناشرا كثافة أفكاره على رأس نخلة مقطوع ، كانت طوابير الرؤوس المقطوعة بعناية تمرُ أمامهُ ولهُ أن يختارَ رأسا بديلا ليرى صلاحية ما اختارهُ على بدنهِ المتورم من الأسئلة التي سقطت عليه ، قرر أن يأخذ رؤوس القادة والحكماء العراقيين فقط لأن بابل أنجبت الشمس والقمر والكواكب فما من مسوغٍ لرؤوس لم تُصنع في أرضه ، بدأها بآدم حيث وضع رأسهُ الزقوري جانبا وما أن استقام الرأس حتى سقط البدن وبقيّ الرأسُ مرتفعا في الهواء ، استراح لفكرة أنه ليس نبيا ، كانت العتلات تدور وتحت رأس كل شخص اسمهُ ، بعد أن جرب رؤوس الأنبياء قرر أن يختار رؤوس القادة ، هام برأس سرجون الأكدي أو الكلداني لا فرق فصمم أن يرتديه وما أن أمسك به حتى احترقت كفاه ، عانى كثيرا من رؤوس القادة كسنحاريب وآشور ونبوخذ نصر حتى عاد إليه رأسهُ المُستجيب لتداعياته ، لا رأس إلا رأسه فوق بدنهِ إما أن يصبر ويكون مسؤولا عن قراراته أو يصبح دُمية .

عاجل !!