النهار تحاور المخرج المسرحي والفنان التشكيلي عماد نافع .. الذي يجعل اللوحة بطلا مسرحيا

هيئة التحرير19 أغسطس 2025آخر تحديث :
النهار تحاور المخرج المسرحي والفنان التشكيلي عماد نافع .. الذي يجعل اللوحة بطلا مسرحيا

تمهدَ الفنان التشكيلي والمخرج المسرحي العراقي البارع عماد نافع، في مسيرته الإبداعية متنقلًا بين فصول الشعر والمسرح والتشكيل، قبل أن تتبلور تجربته الفنية في أواخر التسعينيات. ويُعد نافع مؤسس مدرسة “المستشكيل”، التي تعني التزواج العضوي والروحي  بين التشكيل والمسرح في توليفة متداخلة مفعمة باللون الحركة والرمز. وجاءت محطته البارزة في عامي 1999–2000 من خلال تجربته “الفضاء السابع” في “دار أفق للفنون” ببغداد، وعرضت على هامش المهرجان ألعربي للمسرح في بغداد هذه التجربة شكلت أولى لبنات هذا الاتجاه الفني. يعتمد نافع في رؤيته الإبداعية على تحويل اللوحة إلى مشهد مسرحي بصري يتجاوز الإطار التقليدي مستعينًا بلغة الجسد بنسبة تفوق 90%، ليخلق مشهداً حياً ينبض بالحركة. من أهم أعماله لوحة “الهروب إلى الله” من معرض أشلاء من جسد السماء (1995) – المملكة الهاشمية الاردنية ، حيث كسر حدود اللوحة التقليدية ليصور انفجارًا رمزيًا لعائلة تتجه نحو السماء طلباً للمعونة الإلهية. ويرى النقاد أن أعماله تشكل باستمرار حواراً بصرياً مفتوحاً، يمزج بين التشكيل والنحت والحركة المسرحية فيحرك اللون والخطوط , ويحيل السكون إلى حركة والصمت إلى كلام.

من خلال هذا الحوار، نسعى إلى الاقتراب أكثر من تفاصيل تجربته المتكاملة، وفهم فلسفته الفنية التي جعلته يحرّر شخوص اللوحة من قيود الإطار ليجعلها تتحرك على مسرح الحياة  :

حوار /  دنيا صاحب

 

 

 

 

 

* متى انطلقت رحلتك مع الفن؟ وكيف تبلورت ملامح تجربتك الأولى بين المسرح والفن التشكيلي؟

 

الولادة الفنية كانت لها مرجعيات داخلية، فكانت البداية تشكيلية، حين حولت جدران شعبتي في مدرسة الواقدي الابتدائية  إلى لوحات تشكيلية بقلم الرصاص، ولعل صورة الفنان الراحل عبد الحليم حافظ هي الابرز لما له من شعبية واسعة آنذاك، أما أول لوحة تشكيلية رسمية اشتركت بها في المعرض التشكيلي المدرسي السنوي الذي كان يقام في قاعة النشاط المدرسي في الباب المعظم، وكنت طالباً في الصف الاول المتوسط، وكان موضوع اللوحة هو ” العامل ” بعدها بدأت موهبتي تتضح أكثر في الرسم، واتسعت مشاركاتي في المعارض التشكيلية  المشتركة حتى وصلت المرحلة الاعدادية، واشرف على تدريسي مجموعة من الفنانين التشكيليين اذكر منهم المغترب  استاذ قيس التميمي، ذات الحس الجمالي العالي الذي ولد معي وسكن روحي جعل نظرتي للمشهد المرئي في  الحياة اليومية لم تكن تقليدية قط،  بل احال المشهد إلى خطوط والوان وبدأت تتناسل في فكري المواضيع لتصير صور تشكيلية سواء كانت هذه المشاهد في الأسواق الشعبية أو في الاماكن الضاجة بالفقراء، أو الاطفال الحفاة، والازياء الفلكلورية كانت تغريني جداً، مرئيات أراها ببصيرتي قبل بصري، فتتحول إلى عالم متخيل بديع في ذهني.

 

 

* منذ بدايتك  الجادة في التسعينيات  وحتى اليوم ما الذي تغير في وعيك الفني ؟ وهل مازلت ترى الانسان هو المحور كما نبهت عنه في معرضك التشكيلي الاول ( انتبهوا …انه الانسان ) ؟.

 

 

هذا السؤال مهم حقا ‘ لأنك اخترت فترة التسعينيات ..والتي كانت بالنسبة لي الفترة الذهبية فنياً حيث انتجت هذه الفترة تسع معارض تشكيلية مهمة جداً بيدَ اني دخلت إلى العالمية في هذه الفترة بعد أن وصلت أعمالي إلى اغلب دول العالم ” وفي هذه الفترة عملت على اسلوب المزاوجة بين  التجريد مع السريالية، بأسلوبية سحب السكين،  لأخلق لوحة التضاد

اذ أبتدئ  فكرة اللوحة في وضع أسسها التشكيلية، مضمون يخفي معناها،  ومن خلال سيطرة السكين على سطح اللوحة يكون دور الفرشاة ثانوي،  ومن خلال ضربات السكين تتوالد تدرجات متناسقة مع بنيائية هادئة وغير مكتظة أو مزدحمة بالرموز،  لأخرج بأسلوب خاص بي وأحدد يقيني الاسلوبي، وهويتي الفنية مستقلة،  في معارضي الأولى .

وصولاً إلى تأسيس مدرسة ( المستشكيل ) أما على صعيد الوعي فالسنين لا تأتي فقط على اعمارنا بل تزيدنا وعياً وخبرة، لعلك يا سيدتي انتبهت إلى ما يتعرض إليه الانسان من هدم وهدر لكرامته كل يوم، بل في كل ساعة، وجريمته الوحيدة هي المطالبة بحريته واستقلاله . واعتقد ماساة غزة خير شاهد على ذلك،  فتعرض الأنسان الى أقصى أنواع القتل والحرق والسلب والتجويع، هذا القدر الواسع من الحزن و المساحة الشاسعة من الدمار، هيمنة السواد على واقع أمتنا الغارقة في الدم والعالقة في وحل انهيار القيم، ووفق هذه المعطيات تتصاعد حدة اللون واللوحة، ولكن لانترك المساحات الجمالية في العمل الفني، مهما كانت حدة اللوحة.

 

* تُعرف بلقب “المستشكيل” وقد أسست مدرسة فنية بهذا الاسم، هل تحدثنا عن فلسفة هذا التوجه وكيف تمازجت فيه عناصر المسرح مع الفنون التشكيلية؟

 

  • تجربة ” المستشكيل ” تعد من أهم تجاربي ألفنية على الصعيدين التشكيلي والمسرحي

 

والحمد الله كانت لي الريادة في تأسيس هذا الاسلوب الفني الحديث، جاءت قبل ما يقارب الـ ”  25″ سنة تقريباً، وأستطيع القول انها تتجاوز ما بعد الحداثة، و كما هو معروف إن التعارضات مازالت قائمة بين” الحداثة ” وما بعد الحداثة. وهذا يؤكد على أهمية التجارب  الفنية التي أحدثت حالة  الوعي في ذاكرة المتلقي، مع اعتمادها على الموروثات، من هذا المنطلق جاءت تجربتي في المزاوجة العضوية والروحية بين التشكيل والمسرح،  ليكونا تجربة واحدة أسميناها ” ألمستشكيل ” وهذه التجربة صلبة كالصخر، ولينة كالحرير، بيد انها تتجاوز حدود الحداثة فهي ثورة على الأطر التقليدية مادام الموضوع يحتاج إلى افاق أرحب، من هذا المنطلق كانت ومازالت تجربة ” المستشكيل مثار اهتمام،  الاوساط التشكيلية والمسرحية محلياً وعربياً بل وحتى دولياً.

 

* ما هي أبرز المحطات أو الأعمال التي تعتبرها مفصلية في مسيرتك، سواء في التأليف أو الإخراج أو المعارض الفنية؟

 

أعتقد أن من أهم المحطات والأعمال المفصلية خلال مسيرتي الفنية هي تمردي على السائد والتقليدي على صعيد الكتابة او الرسم ومن ثم المسرح،  لهذا جاءت تجربتي الأولى مع القصيدة التشكيلية أو البصرية في مجموعتي الشعرية

 

” حمى فوق 40 م ” والتي قدم لها الشاعر الكبير عبد الرزاق عبد الواحد وامبراطورة الشعر العراقي امال الزهاوي كانطلاقة أولى  مهمة للتحليق العال في فضاءات  التجريب.

وبدأ يأخذ مساحات اوسع واشمل , سواء داخل اللوحة التشكيلية او خارجها لذا جاءت  تجربة المستشكيل العالمية التي أكد ريادتها أعلام التشكيل والمسرح العراقي والعالمي  وفي المقدمة منهم التشكيلي الرائد نوري الراوي , والفيلسوف والمنظر العالمي  شاكر حسن ال سعيد  والناقد العالمي عز الدين نجيب , والمسرحي الكبير د. ميمون الخالدي والمخرج العالمي د.صلاح القصب ، اسماء اخرى كثير، توثقت هذه الكتابات في كتاب مهم يحمل عنوان ” المستشكيل ”   ومن المحطات المهمة في حياتي الفنية قد فزت بجائزة البوستر السياسي من اليابان، وأفضل لوحة  اسلامية من ” الباكستان ”  وتوثيق لوحة ” العبارة ” حادثة غرق العبارة في نينوى  في المنتدى الثقافي الامريكي وحصول لوحة ” رحيل الذات ” على لقب ” لوحة عالمية متحركة ” وكتب عنها دراسات عربية وانكليزية وفرنسية، كذلك لوحة “الساعة الثلاثون ” التي عدت أول عمل تشكيلي يقارن برواية عالمية وهي ” الساعة الخامسة والعشرون للكاتب الروماني قسطنطين فيرجيل جورجــــيو, واللوحة الصادمة ” سبايكر”

اما مسرحية ” بقعة النور ” – مونودراما بقعة النور التي اثارت جدلاً كبيراً عند عرضها على خشبة المسرح الوطني لموضوعها اللافت ومشاكساتها الكبيرة، نصاً واخراجاً، حتى قال عنها مدير عام دائرة السينما والمسرح د. نوفل ابو رغيف : عمل يشرف تاريخ المسرح العراقي ” وتجاربي الـ ” 10 ”  في مسرح الشارع أو الرصيف التي تركت بصمة مهمة في هذا النمط من الأعمال المسرحية، على الصعيد الصحفي كنت صحيفتي ” البينة ” هي أول صحيفة عراقية بعد التغيير عام 2003وحققت نجاحا لافتاً محلياً وعربياً وعلى صعيد الجانب السياسي، فأنا أول فنان عراقي يرفض منصب ”  وزير الثقافة ” في دورة رئيس الوزراء د. عادل عبد المهدي .

 

ولا انسى محطة اربد الأردنية التي شهدت أهم تجاربي التشكيلية،  وقربتني كثيرا من العالمية،  وتوالت التجارب التشكيلية والمسرحية المهمة، داخل وخارج العراق والتحضير الى معرض كتلونيا الاسبانية، مروراً بالصف المسرحي التخصصي الذي أسسته كتجربة أولى محلياً وعربيا وتخرج منه مجموعة رائعة من الشباب الواعد مسرحياً، والمحطات المميزة  تطول وتطول، ومن المحطات المهمة التي ستبقى طويلا في ذاكرتي ، هي محطة ” جربة ” التونسية هذه الجزيرة الحالمة ابدأ وصفها بالجمال والابداع وهي قبلة المبدعين من كل حدب وصوب  وأجمل مافيها سكانها العاشقين للتجارب الحداثية الغير مألوفة وللحب والابداع  والجمال.

* كيف ترى العلاقة بين الفن وبناء النسيج الاجتماعي؟ وهل تعتقد أن المسرح قادر على ترميم ما تهشّم في داخل الإنسان؟

للفن دور غاية بالأهمية  في بناء المجتمعات لأنه ينمي ويبني الوعي السليم الذي يقود ألمجتمعات الى بر الأمان  ,  بالتالي الى أختيار الثقافة الحرة نهجاً وسلوكاً، كذلك له دور كبير في تعميق مشاعر العز و الفخر والاعتزاز لدى الفرد، لاسيما تلك الشعوب  التي تمتلك تأريخاً مشرف وحضارة عميقة  تمتد بعيداً بالتاريخ الانساني، حيث يُعدّ الفن وسيلةً مهمّةً من وسائل التثقيف والاحساس بالجمال  بعد أن يغسل أدران التخلف  والارتداد  والانكسارات وهكذا يكون  المجتمع قويّاً متماسكاً لا يهتز بسهولة أمام الشدائد والمحن، اما بالنسبة للمسرح فهو قادر على ترميم أو اعادة بناء ما تهشّم في داخل الانسان، على أن يكون المسرح موجه للجماهير لا موجه للنخبة حصراً وكما قيل سابقا : ” أعطني خبزا ومسرحاً اعطيك شعبا مثقفاً.

 

* هل تنطلق في رؤيتك الفنية من منظومة قيم صوفية أو روحية تُشكل أساساً لكتاباتك وإخراجك؟

قبل كل شيء أؤكد أن الثيمة الرئيسية في جميع اعمالي الفنية والأدبية تعنى بالانسان كقيمة عليا، ولكن واقع الحال يشير الى عكس ذلك،  فالانسان هو الضحية ،  ومنذ معرضي التشكيلي الأول نبهت إلى ذلك وكان عنوان معرضي هو ” انتبهوا …أنه الانسان ” واعتقد انها دعوة جريئة في زمن الدكتاتورية القمعية، وزمن الألة التي لا تعنى بإنسانية الانسان  بل استبداله ” بروبورت ” الألي  ووصل الحد الى استبدال المرأة الكائن الجميل وانوثتها بزوجات ألكترونية !!, وهذا يشكل قمة الجنون والاستهتار بقيم السماء ولم أكتف بذلك بل جعلت المعرض التشكيلي الثاني” ألدعوة ثانية ” , لأكرر ماقلت من خلال لوحاتي التي تحمل عمقاً انسانياً  واحتجاجات ومطالبات بوقف طمر الانسان،  ما أثار ح٨فيظة بعض النقاد والصحفيين آنذاك، لجرأته اللافتة ،  ومن خلال علاقة الانسان بالسماء فإن الافكار الصوفية حاضرة بالكثير…

عاجل !!