المكان من وجهة نظر الفلسفة
عبد الهادي الزعر
لغوياً : المكان على وزن ( مفعل ) ولما كثر استعماله حوله الصرف الى (فعال )
فقالوا — مكناً له — وقد تمكن – وجمعه امكنة كقذال واقذلة –
ارتبط المكان بالذاكرة بفعل ما قد حصل ( سيء أو مسر ) وقد خزنها الفكر الانسانى عبر ادراكه بكلمتين ( سبب ونتيجة ) فالصور الذهنية لدى الانسان البدائي هي مظاهر محسوسة تشير الى مواقع بعينها ربما تكون مسالمة او معادية فالكهوف مثلا لازالت تحتفظ بمئات الصور رسمها القدماء تعبر عن لحظات مرت < تفسر الاّن بتفسيرات شتى < ولهذا قسم ارسطو الامكنة الى ابعاد ثلاثة : السماء والارض والعالم السفلى وكلها مأهولة – افلاطون عد المكان و الزمان عنصران متلازمان اما الفلاسفة العرب فلهم مباحث شتى الكندى والفارابى والرازى كل له راى فى المكان منهم من قال : موجود لايمكن انكاره ومنهم من وصفه بانه مطلق غير متناهٍ ومنهم من قال انه وعاء -أما أبن طفيل فقد كان متميزاً من خلال – حى بن يقضان -وكان لابن خلدون وقفات فكرية جمة فى هذا السياق من خلال دراساته عن المجتمع وعلم السكان المدينى العالم الاجتماعي الراحل د- على الوردي : اهتم اهتماماً كبيرا بالأمكنة وما حدث فيها ، فكتابه الأثير لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث بأجزائه المتعددة ملئ حتى أذنيه بأحداثٍ جسامٍ لا زالت مضرب امثال يعتد بها لوثوقها – ولو فتشنا مباحث الاوربين نجد تفاسير كثيرة للمكان فما بين ديكارت – سيبونوزا – باركلى وصولا الى نظرية انشتاين النسبية حيث عد الزمان بعدا رابعا يضاف الى الابعاد الثلاثة – مارلو بونتى يقول : لايصح ان نقول ان جسدنا فى المكان لوحده بل يجب اشراك الزمان به –
فالامكنه ليست كلها واحدة منها ماهو اثير وهو شبيه بالفردوس لا نعيش فيه بل يعيش فينا نشعر فيه بالطمأنينة وكأننا فى حجور أمهاتنا – ربما تكون الامكنة بيتاً أو نهراً أوبستانا أو مدينة ، المهم أن تستمد النفس منها قيمة الانتماء والامان وهى ضد الزمن المتحول الخئون فنرى التوحد قائم بين النفس والمكان حد ( الحلول ) وربما شبيه بالارتباط المشيمى الرحمى ؛ وهناك من يقابل بعض الامكنة بالضيق والنكد والاشمئزاز وقد يثير فيه القلق عند تذكره – يشبه العارفين بعض الامكنة السيئة بالفوضى التى تزيد الارهاق والغثيان وكأنها قبرا أو سجنا – فى اغلب مدننا العراقية الاّمنة منذ زمنٍ سحيق كانت ( اللقالق ) تختار بناء اعشاشها على قمم المنائر او فى الاماكن الناتئة الامينة ، تمارس – الطقطقة والتناسل – بزهو وكأنها فى اوج الامان والسرور كان لها وقع بالغ فى انفسنا ( البريئة منذ ايام الصبا ) فهى جزء من مكونات الامكنة التى نحيا فيها ! لم نراها منذ زمن بعيد مع الاسف ، الظاهر انها غيرت نظامها ( الفسلجى ) حتى تحيا –