شكل انضمام البرتغال لدينامية دعم الحكم الذاتي حلال وحيدا لنزاع الصحراء المفتعل انتصار دبلوماسيا كبيرا للمغرب
الملك محمد السادس دشن مسارًا لا رجعة فيه يربط بين الإصلاح والهوية بين التنمية والكرامة بين التاريخ والمستقبل
على الرغم من هذا الدعم المتزايد فإن الأمم المتحدة لا تزال تتعامل مع ملف النزاع بقفازات من حرير محاولة الموازنة في مواقفها
يأتي الموقف البرتغالي ليضاف إلى قائمة متنامية من الدول الأوروبية بما في ذلك إسبانيا وألمانيا وهولندا وبلجيكا التي أعلنت دعمها لخطة الحكم الذاتي كحل جاد وواقعي وذو مصداقية للنزاع حول الصحراء
يُعد الموقف البرتغالي الجديد خطوة إيجابية نحو تحقيق حل نهائي للنزاع ويؤكد على أن المبادرة المغربية هي السبيل الأكثر واقعية واستدامة لتحقيق الأمن
المغرب / النهار
شكل انضمام البرتغال لدينامية دعم الحكم الذاتي حلال وحيدا لنزاع الصحراء المفتعل انتصار دبلوماسيا كبيرا للمغرب وأظهر أن المملكة تمضي بخطى ثابتة في انتزاع مواقف دولية وازنة تتناغم مع مبادرتها للحكم الذاتي تحت سيادتها، مع اتساع قائمة الدول الغربية الداعمة لهذا المقترح كأساس وحيد وواقعي لقضية معقدة بسبب التدخلات الجزائرية وأطراف أخرى مؤيدة للطرح الانفصالي الذي تسوق له جبهة بوليساريو تحت مسمى “حق تقرير المصير”.
وكشف تطور مسار الاعترافات الدولية بمغربية الصحراء وجاهة وصواب الحراك الدبلوماسي وواقعية رؤية العاهل المغربي الملك محمد السادس التي أسست لتآكل الطرح الانفصالي ودفعت بالحاضنة الجزائرية إلى عزلة أكبر إقليميا ودوليا وبددت طموحها في زراعة كيان غير شرعي في قلب المنطقة.
وينطلق المغرب في جهوده الدبلوماسية من ثابت وطني غير قابل للمساومة أو التفاوض وهو أن وحدة المملكة الترابية وسيادتها خط أحمر وأن منظورها للعلاقات الخارجية هو مغربية الصحراء.
ولفت موقف البرتغال الأخير الداعم لمقترح الحكم الذاتي للصحراء تحت السيادة المغربية، أنظار وسائل اعلام دولية بينها صحيفة “لوجورنال دو ديمانش” الفرنسية التي اعتبرت أن هذا الموقف يعكس الزخم المتزايد الذي تحظى به المبادرة المغربية على الساحة الدولية.
ويأتي الموقف البرتغالي ليضاف إلى قائمة متنامية من الدول الأوروبية، بما في ذلك إسبانيا وألمانيا وهولندا وبلجيكا، التي أعلنت دعمها لخطة الحكم الذاتي كحل جاد وواقعي وذو مصداقية للنزاع حول الصحراء. وهذا التأييد يعزز الموقف المغربي داخل الاتحاد الأوروبي ويضعف الروايات الأخرى.
ويبرز هذا الدعم عمق العلاقات الثنائية بين المغرب والبرتغال والتي تتجاوز الجوار الجغرافي لتشمل أبعادا سياسية واقتصادية ودبلوماسية. وتدرك لشبونة الدور المحوري للمملكة كشريك استراتيجي في المنطقة، خاصة في قضايا الأمن الإقليمي ومكافحة الهجرة غير الشرعية.
ويؤكد هذا التطور، وفقا للصحيفة، على أن مبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب عام 2007 تكتسب قبولا متزايدا كإطار وحيد قابل للتطبيق لإنهاء النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، فالدول تدرك أن هذا الحل يراعي خصوصية المنطقة ويضمن استقرارها.
عزل خصوم الوحدة الترابية
ويساهم هذا الدعم الدولي في عزل الأطراف التي تعارض الحل السياسي وتتمسك بخيارات لم تعد تحظى بدعم دولي واسع، فكلما زاد عدد الدول المؤيدة للحكم الذاتي، زادت صعوبة استمرار الوضع الراهن.
كما يعكس هذا الإنجاز الدبلوماسي النشاط الكبير للدبلوماسية المغربية تحت قيادة الملك محمد السادس والتي تعمل على حشد الدعم لموقف المملكة في مختلف المحافل الإقليمية والدولية.
ويُعد الموقف البرتغالي الجديد خطوة إيجابية نحو تحقيق حل نهائي للنزاع ويؤكد على أن المبادرة المغربية هي السبيل الأكثر واقعية واستدامة لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.
وعلقت الأسبوعية الفرنسية في مقال نشرته الأربعاء على موقعها الإلكتروني على هذا التطور بالقول “بعد المملكة المتحدة التي اعتبرت في يونيو(حزيران) الماضي أن هذا المخطط يشكل الأساس الأكثر مصداقية وقابلية للتطبيق وبراغماتية من أجل تسوية دائمة، وفرنسا التي جددت دعمها في أبريل (نيسان) الماضي، تصبح البرتغال بذلك أحدث بلد أوروبي ينضم إلى هذا التكتل المؤيد لسيادة المغرب على هذا الإقليم”.
وأوضحت بناء على ما استجد، أن قائمة الدول الداعمة لمغربية الصحراء أو لمقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، اتسعت في الأشهر الأخيرة. وتحسب هذه الإنجازات إلى الدبلوماسية المغربية الهادئة وإلى الواقعية السياسية في التعاطي مع هذه القضية.
وتؤسس الخطوة البرتغالية بالفعل توجها متزايدا بين الدول الأوروبية لدعم خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء، والتي يعتبرها المغرب الحل الوحيد والواقعي للنزاع. ويأتي هذا الدعم بأشكال مختلفة، لكنه يشير إلى تحول في المواقف الأوروبية تجاه هذه القضية.
دول أوروبية تدعم خطة الحكم الذاتي المغربية
بالإضافة إلى البرتغال، التي وصفت خطة الحكم الذاتي بأن لها “أساس جدي وموثوق”، هناك عدة دول أوروبية أخرى أعلنت دعمها للمقترح المغربي كحل جاد وواقعي وذو مصداقية ومن أبرز هذه الدول:
إسبانيا: في عام 2022، اعتبرت مدريد المبادرة المغربية للحكم الذاتي “الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية” لتسوية النزاع.
ألمانيا: أعلنت دعمها للمبادرة المغربية في تناغم مع الطرح المغربي وتأكيدا على واقعية تعاطي المملكة مع ملف النزاع وجهودها لدعم الاستقرار فسي المنطقة.
هولندا هي أيضا من الدول التي تدعم خطة الحكم الذاتي بما يعني استبعادا كليا للطرح الانفصالي الذي تروج له جبهة بوليساريو تحت مسمى “تقرير المصير”.
وقد تآكل هذا الطرح بالفعل بعد انكشاف بوليساريو كميليشيا أو عصابات تستفيد من الدعم الدولي تحت مبرر “تقرير المصير” وهي المغالطة التي قوضتها الجهود الدبلوماسية المغربية من خلال توثيق ارتباط الجبهة الانفصالية بعصابات الجريمة المنظمة وبجماعات إرهابية خطيرة تنشط في منطقة الساحل كثير من قادتها ومنتسبيها كانوا إما أعضاء في الجبهة أو منتسبين لميليشياتها.
بلجيكا: هناك مبادرات برلمانية وسياسية بلجيكية لدعم مغربية الصحراء وخطة الحكم الذاتي، بعد قناعة وإدراك لأهمية لجهود المغرب في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة ومساعيه لدعم الاستقرار في المنطقة، بينما بات واضحا لبروكسل أن بوليساريو ليست سوى ميليشيا مدعومة من الجزائر لحسابات سياسية مدفوعة بطموحات وعداء غير مبرر للمملكة.
فرنسا: تدعم خطة الحكم الذاتي المغربية وتعتبرها “الأساس الوحيد” للتوصل إلى حل سياسي وتعمل حاليا بعد طي صفحة توتر مع المغرب على ترجمة اعترافها على أرض الواقع من خلال التوجه لضخ استثمارات ضخمة في الأقاليم الجنوبية للمملكة وتشجيع شركاتها على الاستثمار أو توسيع استثماراتها في الصحراء المغربية.
قناعة دولية متنامية.. بوليساريو ليست الا ميليشيا ارهابية تخدم أجندة جزائرية
وتنظر باريس للمغرب كشريك واثق في جميع المجالات وتتعامل في هذا الاتجاه على أساس رؤية الملك محمد السادس للعلاقات الخارجية من منظور مغربية الصحراء.
وحفزت المبادرات الملكية المغربية وعلى رأسها مبادرة الولوج للأطلسي، فرنسا والكثير من الدول الأوروبية على الانخراط في التوجه المغربي قناعة بأن تلك المبادرات تؤسس للتنمية المستدامة وللاستقرار وتمد جسور التعاون بين الاتحاد الأوروبي ودول الاتحاد الافريقي على قاعدة “رابح-رابح”.
المملكة المتحدة (بريطانيا): أعلنت دعمها لخطة الحكم الذاتي المغربية، معتبرة أنها الأساس الأمثل لحل النزاع، استنادا إلى قراءة واقعية للموقف المغربي واعتمادا على الفرق الظاهر والواضح بين دولة تبني وتؤسس للسلام والاستقرار والتنمية هي المملكة المغربية وبين ميليشيات تستفيد من النزاع المفتعل مصدرا للوجود من خلال نهب المساعدات الدولية المخصصة لسكان مخيمات تندوف هي بوليساريو.
فنلندا: انضمت إلى قائمة الدول الأوروبية الداعمة لسيادة المغرب على الصحراء وتعتبر مقترح الحكم الذاتي حلا “وحيداً” للنزاع. وكذلك قبرص وصربيا ولوكسمبورغ والمجر ورومانيا، فهذه الدول أيضا ضمن قائمة الداعمين للمبادرة المغربية للحكم الذاتي أساسا وحيدا للتسوية وغلق ملف النزاع المفتعل حول الصحراء.
ويعكس هذا التوجه تزايد قناعة الدول الأوروبية بأن خطة الحكم الذاتي هي الحل العملي الوحيد الذي يمكن أن ينهي هذا النزاع الطويل، خاصة في ظل تعثر المساعي الأخرى.
وتلعب المصالح الاقتصادية والأمنية المشتركة بين المغرب وهذه الدول دورا هاما في هذا التقارب، فالمغرب شريك استراتيجي لأوروبا في قضايا الأمن الإقليمي ومكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية.
ويؤدي هذا الدعم المتزايد إلى تعزيز عزلة جبهة بوليساريو وحاضنتها الجزائر على الساحة الدولية، خاصة وأن الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء لا يعترفون بالكيان غير الشرعي المسمى “الجمهورية الصحراوية” المزعومة.
ويعكس هذا التحول نجاح الدبلوماسية المغربية في شرح موقفها وحشد الدعم لمبادرتها، مع التركيز على الجوانب الواقعية والبراغماتية للحل.
وعلى الرغم من هذا الدعم المتزايد فإن الأمم المتحدة لا تزال تتعامل مع ملف النزاع بقفازات من حرير محاولة الموازنة في مواقفها لكن دون تحرك عملي لفض النزاع على أساس المبادرة الأكثر واقعية.
ويفترض أن تدفع المواقف الأوروبية المتنامية لصالح الحكم الذاتي، الأمم المتحدة لمراجعة رؤيتها التي تعتبر فيها الصحراء المتنازع عليها أرضا غير مشمولة بالحكم الذاتي وأن تدفع في هذا الاتجاه استنادا لرؤية المغرب التي تعتبر بشهادة المجتمع الدولي أن الحل الأكثر واقعية وصدقية هو مقترح المملكة للحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.
في عالم يضيق فيه الأفق السياسي وتتسارع فيه الأزمات وتُستنزف فيه الثقة في المؤسسات، يظهر المغرب كاستثناء صامد، لا بفضل المصادفة الجغرافية أو التوازنات الدولية، بل بقيادة سياسية عرفت كيف تصنع المعنى من الاستقرار، والمستقبل من التحديات، فبعد ستة وعشرين عاما من تولي العاهل المغربي الملك محمد السادس مقاليد الحكم، يبدو أن المملكة المغربية تدخل مرحلة جديدة من نضجها السياسي ونموذجها الوطني الخاص، متسلحة بشرعية لا تُستمد فقط من التاريخ، بل من عمق التحول الذي عرفته البلاد في أقل من ثلاثة عقود.
ليس من السهل في دول الجنوب أن تُحدث التغيير دون أن تهزّ أسس الدولة وليس من السهل أيضًا أن تحافظ على الاستقرار دون أن تسقط في الجمود، لكن المغرب، في زمن محمد السادس، استطاع أن يفعل الأمرين معا: أن يُصلح بنياته الاقتصادية والاجتماعية والمؤسساتية، دون أن يُقايض الاستقرار بالإصلاح أو التنمية بالهوية.
لقد وُوجه هذا العهد، منذ بدايته، بسقف عال من الانتظارات: دولة حديثة، عدالة اجتماعية، موقع إقليمي فاعل، ومكانة اقتصادية بين الكبار وهي رهانات لم تكن سهلة في بيئة إقليمية موسومة بالاضطراب، وداخل مجتمع متنوع المطالب والحساسيات، غير أن ما حدث فعليًا هو بناء تدريجي لهندسة مغرب جديد، بهدوء استراتيجي، وبأناة رجل دولة يدرك أن التغيير الحقيقي لا يكون بردود الأفعال، بل بإعادة رسم المسارات.
تم ذلك عبر إصلاحات هيكلية لم تكن شعبوية أو آنية، لكنها كانت ضرورية: من مدونة الأسرة إلى المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ومن تعميم الحماية الاجتماعية إلى إطلاق الجهوية المتقدمة، ومن استراتيجية الانتقال الطاقي إلى توطين السيادة الصناعية. هذا البناء المتراكم لا يُقاس فقط بالأرقام، بل بمؤشر الثقة المتزايدة في قدرة المغرب على إدارة نفسه بنفسه، والانفتاح على العالم دون أن يفقد هويته.
في أغلب النماذج السياسية،يكون التحديث في صراع مع السلطة التقليدية. أما في النموذج المغربي، فالمؤسسة الملكية هي من قادت مشروع التحديث، بل ومنحته شرعيته الأوسع، فقد استطاع الملك محمد السادس أن يُحوّل المؤسسة الملكية من رمز فقط إلى فاعل مركزي في التغيير، دون أن يتخلى عن جذورها الدينية والتاريخية. هذه القدرة على الجمع بين الرمزية والفعالية، بين الشرعية التاريخية والمشروعية الإنجازية، هي ما يُميز التجربة المغربية عن غيرها في العالم العربي.
لم يكن المغرب، قبل عقدين، يُحسب ضمن الدول المؤثرة في محيطها الإفريقي والمتوسطي والدولي. أما اليوم، فإن الدبلوماسية المغربية، بقيادة ملكية واضحة، أصبحت نموذجًا في التحرك الذكي، المدروس، غير الصدامي. وقد برز ذلك بجلاء في ملف الصحراء المغربية، حيث نجح المغرب في إحداث تحولات جذرية في المواقف الدولية، بل وفي فرض قراءة جديدة تنقل النقاش من مربع النزاع المفتعل إلى أفق الحل الواقعي، عبر مقترح الحكم الذاتي.
الاحتفاء بمرور 26 سنة على اعتلاء العرش ليس لحظة مجاملة ولا مناسبة بروتوكولية. إنها فرصة لتأمل تحولات المغرب بعيون استراتيجية، وإدراك أن ما تحقق ليس خط النهاية، بل أرضية انطلاق جديدة. فما ينتظر المغرب في السنوات المقبلة هو رهان أكبر: تثبيت موقعه كقوة صاعدة، تعزيز العدالة الاجتماعية، وإنجاح الانتقال الرقمي والبيئي في عالم لا يرحم المتأخرين.
لقد دشّن الملك محمد السادس مسارًا لا رجعة فيه. مسارًا يربط بين الإصلاح والهوية، بين التنمية والكرامة، بين التاريخ والمستقبل. ومن هنا، فإن الرهان لم يعد فقط الحفاظ على المكتسبات، بل تجديد طاقة التحول وإعادة تعريف الطموح الوطني بما يليق بمغرب يطمح أن يكون في قلب القرن 21، لا في هامشه.