المخدرات سبب من أسباب الانتحار( دراسة من منظور الفكر الإسلامي المعاصر) د. حامد هادي بدن

هيئة التحريرمنذ 5 ساعاتآخر تحديث :
المخدرات سبب من أسباب الانتحار( دراسة من منظور الفكر الإسلامي المعاصر) د. حامد هادي بدن

هناك أسباب رئيسية شجعت على انتشار وتعاطي المخدرات في المجتمع الإسلامي، وهي كثيرة، ومن أبرز هذه الأسباب ما يأتي:

أولاً: ضعف الوازع الديني: المقصود به الابتعاد عن القيام بالواجبات الدينية الموكلة للفرد المسلم والتي يجب عليه القيام بها، المتمثلة في مجمل الواجبات والتكاليف الشرعية المفروضة، مثل الصلاة والصوم والزكاة والحج، كما نجد أن التقصير أو التفريط أو التهاون في أدائها يجعل الفرد المسلم يدخل في دائرة المحرمات والمحظورات، التي تعني ترك الأوامر وعدم اجتناب النواهي، فلابد من تحصيل العلم اليقيني في المجتمع، بإنَّ الإسلام دين الله الحق، ولا يجوز الاكتفاء بالظنّ فيما يجب معرفته عقلاً أو شرعاً بعيداً عن القرآن والسنة، فالجهل الديني يوّلد القصور والغموض والغفلة لدى أبناء المجتمع؛ في إرتكاب الجرائم، ومنها جريمة تعاطي المخدرات التي تُذهب عقل الإنسان، فيصبح كالبهيمة بل أضل منها سبيلا،  ثانياً: الإهمال الأُسري في التربية المنزلية: يبذل كثير من الآباء جهوداً كبيرة من أجل أولادهم، ولكنها مبعثرة وغير مدروسـة، حتى أن بعض هذه الجهود تكون سبباً في ضياع الأولاد وشقائهم في الدنيا والآخرة، قال رسول الله() (( كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، 000))  فإنَّ المراد من الفطرة في الحديث هي” فطرة الدين، فلو ترك عليها لاسـتمر على لزومها ولم يفارقها إلى غيرها، لأنَّ هذا الدين موجود في النفوس، فأبواه يهودانه الفاء للتسبب: أي إذا تغير كان بسبب أبويه، أي أنهما يعلمانه ما هو عليه ويصرفانه عن الفطرة، فإنَّ من أخطر ما يواجههُ العالم اليوم هو جريمة تعاطي المخدرات في المجتمعات، لاسيما في البلدان الإسلامية، بسبب غياب الدور الأُسري في تربية الأبناء، وهو المحور الأساس في انتشار ظاهرة المخدرات، فالفئات الأكثر عرضة للإهمال هم الأطفال، فهم العنصر الأضعف في الأسرة ويحتاجون إلى الرعاية والاهتمام من قبل الأبوين، فالأب يقضي معظم وقته في العمل وعندما يعود ينام ثم يخرج ولا يأتي إلا بعد أن ينام الأولاد، وكذلك الأم تنشغل بكثرة الزيارات وإدارة المنزل وكثرة استخدام الهاتف ومطالعة التلفاز وتهُمل الأبناء، وبالتالي سيصبحون عرضة سهلة للوقوع في مستنقع المحظورات من المخدرات وغيرها التي تهدم المجتمع.

ثالثاً: البطالة وعدم وجود فرص عمل حقيقية مناسبة: تُساهم البطالة في نفور عدد كبير من المراهقين والشباب، مما يؤثر ذلكَ في اهتزاز شخصيتهم واللجوء إلى المخدرات، والبطالة تؤدي إلى العُزلة والجريمة وتآكل الثقة وعدم احترام الذات، فالفراغ المستمر عامل أساس في انخراط الشباب لتعاطي المخدرات في المجتمع

رابعاً: الأثراء غير المشروع: أنَّ توفر المال في أيادي غير أمينة وخصوصاً عند بعض الشباب، قد يدفعهم إلى المتعة الزائفة في حب الاستطلاع ومصاحبة رفقاء السوء، لشراء أغلى أنواع المخدرات والمسكرات والمواد المُحرمة مما يدفعهم إلى خطر الإدمانِ عليها بسرعةً أكبر، ومن ثم إلى ارتكاب الجرائم في المجتمع ، فالمؤمنون عليهم الابتعاد والحذر من أن تُلهَيهم أموالهم عن ذكر الله ، كي لا يقع عليهم الخسران، قال تعالى: يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَٰلُكُمْ وَلَآ أَوْلَٰدُكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْخَٰسِرُونَ.

خامساً: ترويج بعض الأفكار الكاذبة بإنَّ المخدرات تدخل المتعة والسرور: يعتقد الكثير أن الدوافع الخاصة لتعاطي المخدرات، هي للبحث عن المتعة وكسر الملل وتجنب المعاناة المجتمعية، ونسيان كره المرء نفسه، ليصبح الفرد غير مسؤول عن تصرفاته، وأن العقل الذي يتحكم به خارج نطاق سيطرته، فهو لا يعلم أن المخدرات تُذّهب عقله وتُسبب له رعاش جسدي، فيصبح كالبهيمة لا يفقه من أمره شيءً .

سادساً: ضعف الرادع أو العقاب الرسمي المتمثل في القانون لدى الدولة الحاكمة: عندما نرى بناء أي مجتمع سليم ومعافى ومزدهر، نُرجح ذلك إلى إدارة حكومة ذلك المجتمع، فعندما تكون الحكومة التي هي أعلى سلطة في البلد، عاجزة عن إصدار رادع قوي، يقضي على ظاهرة خطيرة ومميتة، تؤدي إلى دمار المجتمع في كُل جوانبه الأخلاقية والنفسية والدينية والاقتصادية، يقيناً تنتشر ظاهرة المخدرات في أوساط الشباب، وكما نراه اليوم في كثير من البلدان وبالخصوص في العراق، الذي انشرت فيه المخدرات كالنار في الهشيم، ويرجع سببه إلى ضعف قوانين الدولة في التعامل لهكذا جرائم تُمزّق المجتمع، لوجود صراع سياسي متكرر يعيشه البلد، انتج له أزمات سياسية أجبرته على ضعف أداء مهامه من جهد الاستخباري وضبط للحدود، كذلك خلوه من العقوبات الرادعة التي تصل إلى حد الإعدام بحق مجرمي المخدرات، ليكونوا عبرة لغيرهم، فالمخدرات آفة قاتلة إذا تُركت ابتلعت ما حولها

سابعاً: ضعف التوعية الإعلامية والمتمثلة في القنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي: أنَّ الإعلام سلاح ذو حدين إما أن يكون نافعاً أو أن يكون عاملاً من عوامل الإنحراف، فما نشاهده عبر الصحون الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي، ابتداءً من أفلام الكارتون إلى المسلسلات والأفلام وغيرها من البرامج فيها الكثير من الإنحراف، كالرقص والغناء وشرب المخدرات وجرائم السرقة، فكل هذا ما هو إلى طريقاً للإنحراف الفكري والسلوكي لدى الجيل المعاصر في المجتمع، يُلحظ أنَّ المخدرات مرضٌ خطير لازال يسري في دماء أجيالنا، وبالخصوص فئة الشباب، وبما أن الباحث يتحدث عن الجيل المعاصر في الفكر الإسلامي، فلا زال اليوم أجيالنا يقعون واحداً تلو الآخر في هذا المرض الذي أنهش أجسادهم، وابعدهم عن مستقبلهم، بل وصل بهم الحال إلى ارتكاب الجرائم من قتل وخطف وارتكاب الزنا وغيرها من المحرمات، فَأُلزمَ علينا كباحثين أن نشير إلى ذلك ونضع الأسباب، وعلى أصاحب الشأن وأخص بالذكر منها الحكومات، فعليها أن تستنفر كُل جهودها للحد من هذا المرض الذي انتشر كسرعة البرق في المجتمعات، ولَزمَ عليها علاجه بأسرعِ وقت، وإصدار عقوبات رادعة ومشددة جداً، لمن يثبت تورطهم في التعاطي أو المتاجرة، وتكون معاقبتهم علنيةً أمام الشعب ليكونوا عبرة لغيرهم.

ثامناً: قصور المناهج الدراسية في محاربة المخدرات: إنَّ الأسباب المؤدية الى انتشار المخدرات في المؤسسة التعليمية ناتجة عن عدم وجود مناهج دراسية تتحدث عن مخاطر المخدرات في المجتمع، بالرغم من كثرة انتشار المخدرات في المجتمعات العربية والإسلامية، لكن لازلت المدارس والجامعة تفتقر لإصدار مناهج أو كراس دوري للطلبة يُعرفهم بالمخدرات وانواعها، وينذرهم بالحد من مخاطرها والابتعاد عنها، ويشرح لهم العقاب القانوني لمن تسول له نفسه في ارتكاب هذه الجريمة، وعليه فإنَّ هذا يُعد إشكالاً حقيقياً خطيراً لا يُمكن إنكاره، وهو لا يُعبر عن وضع حسن ومقبول في المؤسسات التعليمية في البلدان وخصوصاً في العراق، لذا فإنَّ الإسلام هو نظام شامل لجميع جوانب الحياة، وجعله من العلوم الإنسانية فروض كفاية على الأمة، لكن الأزمة بدأت عندما جُعل للدين علوماً وللدنيا علوماً أخرى، مما أدى ذلك إلى تجريد علوم الدين من روح الدنيا، فأصبحت بعيدة عن العمل والواقع المعيشي عند المسلمين

سبل المعالجات:

سأتطرق إلى أبرز طرق المعالجة للحد من أنتشار المخدرات في المجتمع، وفيها ما يأتي

أولاً: الاهتمام بالتربية وتفعيل الرقابة الأُسرية لتأمين بيئة آمنة من المخاطر ثانياً: الاهتمام بالتعليم وحث إدارات المدارس والجامعات، على إدراج مناهج دراسية للحد من مخاطر المخدرات، وأشراك الطلبة في دورات مستمرة للتوعية من مخاطرها ، ثالثاً: تكثيف جهود رجال الدين في إصدار الفتاوى المستحدثة لتحريم تعاطي المخدرات أو التعامل معها، والتذكير بها دائماً على منابر خطب الجمعة وفي المناسبات، لما فيها من منفعة للدين والمجتمع، رابعاً: المحاسبة الشخصية، على كل شخص أن يحاسب نفسة ويكون هو الراعي لها، قبل أن يُحاسبهُ القانون وهذا هو النبل والإخلاص في دين الله تعالى( )، قال رسول الله():(( كلكم راعٍ، وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع ٍ في مال سيده ومسؤول عن رعيته)) .

عاجل !!