في الآونة الأخيرة، تكررت أمام الرأي العام قضايا تحمل طابعًا سياسيًا لكنها تُقدَّم بلبوسٍ قانوني، مثل قضية محمد الدايني الذي أُفرج عنه لعدم كفاية الأدلة، ولأنّ مفردة «العتاكة» لا تشكّل جريمة يعاقب عليها القانون وفق مبادئ حرية الرأي والتعبير المكفولة دستورياً بدليل تم الافراج عنه امام القضاء .
وكذلك الحال في تنازل هيئة المساءلة والعدالة عن الدعوى المقامة ضد خميس الخنجر أمام محكمة جنح الكرخ، مما يعتقد البعض أن هذه الملفات كثيراً ما يُسلَّط الضوء عليها لأغراض سياسية أكثر من كونها قضايا جزائية حقيقية وهنا الطامة الكبرى عند هؤلاء البعض .
ومن الأمثلة المشابهة، ما أُثير مؤخراً حول مفردة «الغوغائيين» التي وُصفت بأنها إساءة، بينما الحقيقة أن هذه المفردة متداولة في الخطاب العراقي منذ التسعينات، وتُستخدم بمعناها العام للدلالة على الفوضى أو التصرف غير المنظم، دون أن تشكّل جريمة قذف أو سبّ، لاسيما أن موضوعها قديم مطروق منذ عقود، وأن الدعوى الجزائية من هذا النوع يجب أن تُقام خلال “”ثلاثة أشهر “” من وقوع الفعل، لا بعد مرور “سنوات طويلة”
وهذا بسبب عدم الفهم القانوني للمدد من جهة المشتكين من جهة ، وبسبب كون المفردة لاتشكل اساءة حسب القرار القضائي وهم حتماً هولاء المشتكون والمحامون يحترمون قرارات القضاء كما يصرحون امام الاعلام ويرتكنون اليه .
وليس خافياً أن أعضاء حزب البعث السابقين موجودون في مختلف القوائم الانتخابية، بما فيها القوائم المحسوبة على التيارات الشيعية، ولولا دور المفوضية العليا المستقلة للانتخابات والجهات ذات العلاقة في تدقيق الأسماء لما تم استبعاد أحد.
وهذا يطرح تساؤلاً كبيراً :
إذا كان وجود هؤلاء لا يشكل مانعاً قانونياً، فلماذا تُرفع بين حينٍ وآخر الشعارات الرنانة التي تهاجم “الآخر” وتثير المخاوف من عودة الماضي؟؟؟
الحقيقة المؤلمة أن الانتخابات تحولت إلى موسم ” لزرع الكراهية ” وشقّ المجتمع إلى معسكرات، بدل أن تكون ساحة تنافس برامج وأفكار.
تُستعمل مفردات الشحن الطائفي والاتهامات التاريخية كوقودٍ انتخابي لتعبئة الجماهير، بينما تُترك القضايا الجوهرية كالإصلاح والخدمات ومكافحة الفساد ومشكلة السكن والصحة والادوية والضمان الصحي والاجتماعي ورواتب التقاعد وغيرها من القضايا الانسانية الخطيرة بلا طرحٍ جاد .
وهذا الطرف الآخر من المعادلة هو الآخر بعض خطاباته لاتخلو من الاستفزاز والطائفية والوعد والوعيد دون تدبر ممايدفع لردود افعال متباينة يدفع ثمنها المجتمع المسكين .
إنّ تصدّع الوعي الجمعي بسبب هذه الممارسات هو الخسارة الكبرى، فحين يُشحن المواطن بالكراهية، يصبح مستعداً لخصومة أخيه لا لانتخاب الأصلح.
وحين تُستعمل اللغة القانونية لتصفية الخصوم، يُضرب مبدأ العدالة في الصميم.
لذلك، يبقى السؤال مطروحاً:
إذا كان القانون قد برّأ أشخاصاً لعدم كفاية الأدلة، وإذا كانت المفردات المتداولة لا تشكل جرائم، فلماذا يُصرّ بعض الساسة على تسويق الخصومات كأنها معارك مصيرية؟
أليس الأولى أن يتحد الخطاب لخدمة الوطن، لا لتصديع رؤوس الناس وإثارة الأحقاد القديمة؟
إنّ الوعي هو السلاح الحقيقي أمام هذه المسرحيات الانتخابية، فلا ينبغي أن يكون الشعب وقوداً لحروب الشعارات، بل حارساً لوحدة وطنه، مدركاً أن النصر الحقيقي ليس بالمقاعد، بل بالعقول التي لا تُستدرج ولا تُخدع.