الشاعرة السورية ريما حمزة ل (جريدة النهار ) : تعلمتُ من نازك الملائكة البحث عن القصيدة التي تمشي على ساقي الإيقاع والفكرة

هيئة التحرير27 سبتمبر 2025آخر تحديث :
الشاعرة السورية ريما حمزة ل (جريدة النهار ) : تعلمتُ من نازك الملائكة البحث عن القصيدة التي تمشي على ساقي الإيقاع والفكرة

حاورها / علي صحن عبد العزيز

ضيفتنا الشاعرة ( ريما حمزة ) تؤمن بأن الشعر تفريغ للاحتشاد النفسي وشيفرة الوجدان الجمعي وجرس يوقظ الحواس من سباتها وهذه الدلالات الثلاثة في المقام الأول لكل قصائدها ، ولكنها وحدها لا تكتفي بذلك ، بل ترى أن يكون للقصيدة التزام يوجه المتلقي  وتجعله المثقف يفكر يتفاعل معها في الصف الأول لقصائدها ، بل ويدافع عن قضاياها النبيلة التي تطرحها في متن القصيدة ، هكذا هي جرح لا يندمل وأمنيات مؤجلة نحو وطنها سوريا محملة ببرقيات كلماتها وصورها الشعرية ، وهي تؤمن بأن القصيدة ليس ترفًا ثقافيًا بل مقاومة ناعمة ورهانها على الشعر لا يزال قائمًا  فلنرحل معها في الحوار وأجوبتها عن محاور شتى .

* في إحدى قصائدك تقولين : نغادرها ولا تغادرنا بيوتنا القديمة …فأذن لماذا نتمسك بها لطفولتنا أم لعاطفتنا البريئة؟

– البيوت أرواح ساكنيها، حنينها لافح، حلمٌ لم يترجّل من تلابيب اللاوعي وذاكرة المكان منظومة معقدة من العلاقات المتداخلة بين الشكل والمضمون والتفاصيل، نشابهها في كينونتها وتشبهنا في محبتها ، وهناك صكٌ إلهيٌّ على المغادرة بها.

* كتب عنك الكثير من النقاد والناقدات منهم رانية فؤاد وحيدر الأديب ومحمد دويكات..ماذا أضافت إليك هذه القراءات النقدية؟

– القراءات النقدية تفتح الملفّات وتأخذ الإفادات، وترفع البصمات وتفك الشيفرات، هي أفقٌ موازّ للنص، روحٌ تصغي للوجع وتحوّله إلى معنى فتعيد ترتيب الحكاية على هيئة ضوءٍ لا ينطفئ ولكنها لا تُضيف شيئاً إن كانت الكتابة وسيلة تفريغ الاحتشاد النفسي فحسب أو إشارة لجرح، أو أداة ترميم فقط وليست صناعة مستمرّة لكل ما تقدّم.

* طائر النشر حلق بقصائدك فوق الكثير من المجلات والصحف العربية …متى يتوقف عن التحليق؟

– لن يتوقف، فالشعرُ ليس ترفًا ثقافيًا بل مقاومة ناعمة ، وعي مضغوط في لغة، شيفرة للوجدان الجمعي، أداة من أدوات التحوّل ، جرسٌ يوقظ الحواس من سباتها، كيف يتوقف وأنا أؤمن بالشعر الذي يُسائل، يُربك، يفتح الباب لسؤال : ” وماذا بعد “.

* القصيدة رسولًا لما خُفي من الوجد والمشاعر …متى تعلنين عن قصيدتك الكبرى؟

– قصيدتي الكبرى هي كل قصيدة كتبتها وكانت مرآة لا نافذة، ورأى القارئ فيها نفسه، عزاءه ، أسئلته ، ملامحهُ المخفية، كل قصيدة فتحت باب التأويل ولم تغلق المعنى في زنزانة واحدة ، كل قصيدة لا تفسّر العالم بل تجعله أكثر غموضًا مُحببًا، وأكثر قابليةً للدهشة.

* الكثير لا يخلق الصورة الشعرية ولكنه يستنسخها أو

يتوارثها من قصائد أخرى…ما هو انطباعك عن هؤلاء؟

-يقول ميخائيل نعيمة: ” الأشجار الباسقة الجميلة لا تشكّل وحدها غابة بل لابُدّ في الغابة من الأدغال واللبلاب والطفيليات، المتسلقون آيلون للسقوط ومهما اختلطت في الساحة الخيول الأصيلة بالخيول الهجينة، لن يبقَ في السبق إلا الخيول التي تحترف الصهيل وتكسب الرهانات.

* هل كانت الشواعر بمستوى حجم معاناة المرأة لتنقل طموحها ورؤيتها نحو الحياة ؟

– برأيي لا علاقة للشعر بجنس كاتبه بل بمدى حساسية من يكتب تجاه الحياة ونظرتهِ إليها، فالشاعر الكبير نزار قباني كتبَ المرأة بأعمق ما قد ترى به نفسها، ويوسف إدريس كتب ببراعة عن عالم الأنثى، وطاغور كان يحمل من الرهاف ما لم تحمله الشاعرات، لافرق إلّا في العقول والموهبة.

* بصراحة جدًا …إلّا تعتقدين بأن قصائد الومضة والهايكو ليست وليدًا شرعيًا للقصيدة العمودية وأنها جاءت نتيجة الترجمة لقصائد أجنبية؟

– التفعيلة والعمودي أراهما جذراً لا يجوز اقتلاعه من التربة الثقافية، والتجديد لا يُلغي الأصل، بل يُعيد تشكيله من زاوية جديدة، وفي الحداثة انحيازٌ للعمق على حساب الاستعراض، للرمز على حساب المباشرة، ففي الومضة خرج الشعر من عباءة الطرب، ودخل معبد الفكر، وراح يبحث عن المعنى لا في الخارج بل في تلافيف الذات، وكُلٍ يُبدع على طريقته.

* محركات أساسية في قصائدك كالرجل والوطن والأم ماذا عنهما؟

– الشاعر ليس بوقًا، بل جرحًا، لا يصفّق ، بل يشهد، أؤمن أن الشعر الحقيقي يُكتب من مقاعد الانتظار، من أرصفة الفقراء، من نوافذ الأمهات اللواتي يفتشّنَ عن أبنائهن في نشرات الأخبار، أنصتُ بأمانة لعوالمي الداخلية فالمرأة هي الوطن، والأمّ، والحبيبة، والقصيدة أنثى، وأكتبُ وطني في ربيعه وعلى أعواد المشانق، وأحاول أن أهذّب شعورًا جمعيَّا.

* لنتحدث وباختصار عن جيل الشواعر السوريات .. كيف تقرأين ابداعهن؟

– هناك أشباه شاعرات تنتمين للكلام أكثر من الصمت، وللانفعال أكثر من التأمل، وشاعرات متمكنات كل واحدة منهن كانت ابنة التجربة لا التنظير، تؤمن أن الألم معبر لا عثرة، وأن الخسارات الكبرى تهدينا البصيرة، وأنَّ الحكمة لا تُشترى من الكتب بل تُستخرج من القلب، فكتبنَ الشعر كما يتنفس الجرح.

* ما مدى اقترابك من الشعر العراقي؟

– مثل قرب الشريان من القلب، أنا لا أنتمي إلّا للقلق الإنساني، قرأتُ في السيّاب نصّاً مكتملاً روحيّاً قادراً على الوقوف في وجه الزمن والقراءة ، نصٌ يُكتب لا ليبني متاهة بل ليضيء سرداباً، لا يراهن على الغموض بل على تعدد الدلالات. وتعلمتُ من نازك الملائكة أن أبحث عن القصيدة التي تمشي على ساقي الإيقاع والفكرة، وأحببت ذاكرة الوطن في شعر مظفّر النوّاب.

* هيروشيما النقد … هل يزعجك إم يقيّم قصائدك ؟

– أي عمل أبداعي الروائز هو قلعة رومانية حصينة لا يمكن اختراقها بالنقد الهدّام الذي لا يُلغي قلم قادم بقوّة وتبقى الموهبة الحقيقية هي الرهان، أمّا النقد البنّاء فأنصتُ له بكل حواسي ، وأعيد النظرَ بعمق لأطوّر أدواتي.

*يقال ان الشعر قد تخلف عن اللحاق بالركب ولم يسجلوا لهم دالة به …هل تتفقين ام تعارضين؟

– الشعر وليد المرحلة والتجربة الحقيقية المتعلّقة بها، والاصطدام بأسئلتها الخاصّة، وبالعوالم التي تشكّلت عبر الألم والفقد و النضج ، والخائفون من الأبداع وكسر المألوف قد يبنون مُدناً لكنهم لن يبنوا حضارة.

– ام كلثوم تقول حسيبك للزمن …لمن تقوليها أنت؟

-أقولها لكل من أساءَ لي، فأنا لا أجيدُ ثقافة الانتقام ، وأؤمن بعدالة السماء ، محكمة الله ليست خشنة القلب ومُنصفة، ومحكّات الزمن كفيلة بكشف معادن الناس، فالمحبة ثقافة الأنقياء وخبزهم اليومي.

* كلمة أخيرة

– أكثر ما يلامسني هو أن يقول قارئٌ: “كأنك كتبتِ عنّي” ، هذا الشعور، أن تُصبح كلماتي مرآةً لآخر، هو ما يجعلني أواصل ، فالمديح لا يغويني، بل يوقظ فيّ شعور المسؤولية  وكل نصّ هو امتحانٌ جديد للصدق، وكلّ قارئ صادق، هو الوطن الذي أكتبه ولا أغادره.

الكتابة عندي ليست نسويّة بالمعنى التقسيمي، بل إنسانيّة في جوهرها، تنبع من تجربة امرأةٍ تُفكّك العالم وتعيد تركيبه على طريقتها ، تأثّرتُ بنازك الملائكة في الإيقاع، بفدوى طوقان في الوجع، بميّ زيادة في الفكر، وبأحلام مستغانمي في الانفعال… لكنّني أطمح الى صوتٍ يشبهني وحدي ، شكري وافرٌ لهذا الحوار الذي يُشبه اعترافا، وأمتناني للعراق الحبيب موطني الثاني لا تحدّه الكلمات.

عاجل !!