السيناريو في رواية ( المأوى) للروائي الكبير جاسم عاصي /  أ. د مصطفى لطيف عارف

هيئة التحرير27 يوليو 2025آخر تحديث :
السيناريو في رواية ( المأوى) للروائي الكبير جاسم عاصي /  أ. د مصطفى لطيف عارف

اشتغل الروائي الكبير ( جاسم عاصي ) على دعم نصه بهوية سردية بصرية من خلال التعامل مع الكاميرا التي تهدف من وراء ثباتها وحركتها إلى ترجمة قصد محدد, وهو بذلك يعمل على وضع نتاجه ضمن مجال بصري تتراجع فيه اللغة لأجل الصورة , كما هو الحال في السينما فاللغة في الشريط السينمائي تكون مجرد ظهير للصورة,لقد تعرف الروائي (جاسم عاصي)  على هذا الأسلوب المعاصر- السيناريو- ووعى فاعليته في تجهيز الرواية باليات من شانها أن تعطي للمسرود نكهة خاصة تتفاعل مع فعل القراءة ,وتفتحه أوسع أمام تحركات التأويل , يفتح الروائي مشغل سرد رواية ( المأوى  )  بدورية سيناريوية تدور حول تهيئة الوضع السردي , وذلك بموضعة الشخوص , وتنضيد وحدات المكان النصي, إن تقديم الرواية وفق قوانين حركة التصوير يضع الرواية وسط مكاشفة سردية تتعامل مع الضروري , وهذا العمل يعد حتمية تتمثل بــحركة الكاميرا في ميلها نحو الضروري تترك جانبا كل ما هو زائد, وبهذا التوصيف تكون الكاميرا وحدة الشعور الفيلمي فهي التي تؤسس الحركة العامة للفيلم وهذا ما ذكره الدوخي , وهذه الحركة تتكون من حركة تصوير المنظر , ومن الحركة داخل المنظر وبذلك تؤدي الحركة إلى تغيير التكوين , ويؤدي بنا إلى تغيير التكوين الحركي إلى تغيير الانفعال, فنراه يقول : قطعنا الطريق نحو المدينة بسرعة كما بدا لي , بسبب الحديث الشيق الذي تبادلناه حول أمورنا التي حررنا جسدينا من اجلها مستقبلا , وهو بمعرض صوره وأنا بكتاباتي وعملي الميداني , كان مقهى في سوق شعبية مكان استقرارنا الاول0

يتشكل المشهد السردي في الرواية من لقطتين,لقطة صغيرة جدا تستغرق تفكير في التهديد في القتل ,ولقطة كبيرة تستغرق عملية القتل ,وحركة المشهد تخرج من قوة الصدمة بين هاتين اللقطتين,ففي اللقطة الأولى كانت الحركة واضحة,وهادئة ,وفي وضع معلوم,ولاسيما بعد إعادة أول حركة في هذه اللقطة ,وهي(قد يصل إلى التهديد بالقتل ) إذ أعيدت هذه الحركة في منتصف اللقطة لتمثل على سهولتها استعمالا سهلا لأسلوب الاسترجاع,وذلك ليعزز حضور اللقطة ككل بأجوائها,ودلالاتها,وفي هذه اللقطة تبدو الحكاية الشعرية مباشرة من حيث,تواصل الصور وبناؤها,  لان الروائي (جاسم عاصي ) منتبه في الإفادة من تقنية السيناريو ,وذلك من خلال القصدية التي جاءت بها اللقطة الثانية,وهي تحمل دلالات تملأ الرواية  بالحركة إذ إن حركة هذه اللقطة مجهولة,ومرتبكة,  وقد تجسدت في المقطع الآتي :اختلط الطحين بالدماء قربانا لمعتقدهم المزيف ,وتوالت الأحدث على عجالة فما زالت عصابات داعش والقاعدة ومناوئيهم لم يبالوا نتيجة فعلتهم هذه , بل عدوا لارتكاب ما هو أبشع واخطر لقد سيطروا على نينوى بمرأى من الحكومة المحلية ومن يؤويهم ويقدم لهم يد المساعدة لمعرفة خارطة المدن المذهبية 0

  تمنح هذه الوسيلة السينمائية السيناريو الروائي (جاسم عاصي ) فرصة التحرر من القيود المكانية, والزمانية في السرد الحكائي التقليدي , إذ يتمكن السارد من خلالها من التنقل بين الأزمنة , والأمكنة بحثا عن الأحداث ,والتفصيلات الأكثر أهمية في الرواية, فالسيناريو عملية انتخاب وتوقيت وترتيب لقطات معينة في تسلسل سينمائي- وهي العامل الخلاق الفاصل بإنتاج أي فلم- وان انتقالها من السينما إلى الخطاب الأدبي لن يؤثر- بالضرورة- في أهمية دورها في الخطاب الجديد ,فالسيناريو  بهذا المفهوم يمتلك قدرة واسعة على التخييل , وتقديم اللقطات , المؤثرة فنيا , لأنه مؤسس على تراكب لقطات تراكبا هدفه أحداث تأثير مباشر ودقيق نتيجة لصدمة صورتين, تعبر كل واحدة منهما عن واقع محدد , وتكون مهمة المشاهد / القارئ اكتشاف , وتأويل نوع العلائقية التي يمكن أن تجمع بين هذين الواقعين  , وقد ترك الروائي  التأويل على مصراعيه للقارئ / المشاهد ,بمعنى آخر اكتشاف , وتأويل ( معنى المعنى) المتولد على حاصل الجمع بين اللقطتين من خلال أعمال الذهن , والتأمل , وإعادة النظر في المزج الصوري بين السيناريو بمختلف أنواعه الزماني , والمكاني , والتعبيري , والاسترجاع الصوري   ( الفلاش باك) وغيرها من وسائل السيناريو , والمزج الصوري , فكثيرا ما وجدنا الروائي (جاسم عاصي) يلجا إلى هذا النوع من التكنيك السينمائي ولاسيما في روايته (المأوى ) التي تشكل السمة الأسلوبية الأكثر بروزا في نصوصه السردية, إذ تمكن من الجمع بين صورتين الأولى يلتقطها من الزمن الماضي قبل الاحتلال الأمريكي صورة الكاتبة والأسيرة  فنراه يقول :- باغتني شخص وهو يدنو مني فقد أرعبني وجوده أول الأمر وكنت اظن انها حركات الكلاب الباحثة مثلي عن مأوى لكنه بفطنة ودراية بما يفعله حاول خلق الاطمئنان عندي بمدارات مشهد وجودي ووحدتي القاتلة وحذري بالدفاع عن نفسي ,كما يتجلى ذلك واضحا في استعمال السيناريو المكاني الذي يقوم به على أساس الجمع بين صورتين لمكانين مختلفين في زمن واحد  ,إذ يتم الاستدلال على قصد المسرود عن طريق تتبع سلوك التصوير فبتغيير سرعة الكاميرا يمكن التعجيل بالحدث والتباطؤ به, وكذلك تتوفر للكاميرا ميزات تمكنها من تبني دور الراوي فهي – فضلا عن عملها أثناء ثابتها – تتمتع في التحكم بتقسيم اللقطات المتحركة بحسب متطلبات وجهة النظر, ومن هذا التحكم تأخذ أهم أوضاعها التي تمكنها من متابعة الروي, فنراه يقول :- وما أنا فيه من مواقف محرجة وربما مميتة كما رايتها على أبناء مدينتي وهم يسحلون فتيات وشبابا, كهولا ,ونساء مسنات حتى مكان وقوف شاحناتهم ,يعبئون الشاحنة بالأجساد ويقودها إلى المجهول فهم يداهمون المدينة بين فترة وأخرى, فلا يتركون لأهلها من فرصة لتدبير طرق الفرار , إن استدارة الكاميرا من نقطة ثابتة من التقنيات السينمائية , وهي بتغلغلها في الرواية المكتوبة تكون قادرة على تشكيل وزن سينمائي لهذه النصوص إلى جانب وزنها الأدبي لذا يحقق لدينا نوع من التوازي بين الفنين, واللقطة الأفقية تشمل حركة آلة التصوير على محورها الأفقي بوضح ثابت , وهنا تقوم آلة التصوير الراوي بمتابعة الحركة بشكل أفقي وهذا ما نجده واضحا في هذه الرواية إذ تحدث الروائي (جاسم عاصي) عن الراوي بصورة مستقلة إذا أراد الراوي أن يقدم الصبر على عاطفة قلقة فإننا سوف ندرك مدى البؤس والأسى الذي الم به حيث تضاربت الآراء حوله , وإذا أردنا تقديم وصف موجز كاف وشاف سوف نعجز أمام ما خاضه وما اضطر إلى الدخول فيه من تجارب مريرة أحاطت به  بعضها بتخطيط من الآخرين وبعضها الآخر بمحض المصادفة ونحن لسنا غافلين عن هذه الطريقة بتقديمه أو وصف حالته وبالتأكيد سوف تكون قصة ناقصة إذا أردنا أن نكون منصفين كما يفعل العديد من الرواة أو هواة سرد الحكايات والقصص, وأخيرا نقول أن أهم ما يميز الروائي(جاسم عاصي) في هذه الرواية هي مشاركة الراوي في أن يروي لنا ما عاشه من إحداث ألمت به في  ماضيه ,وحاضره وما يتوقع حدوثه في المستقبل 0

 

 

عاجل !!