منذ فترة ليست بالقصيرة والعراق يعاني أزمة نقص المياه الخاصة بالاستهلاك البشري والشريان الحيوي، الذي يُستعمل في الزراعة، وخصوصاً بعد انتعاش الزراعة في العراق. وهذه الأزمة تسببها السياسات المتبعة في دول المنبع لنهري دجلة والفرات، تركيا وإيران، وبسبب تغير المناخ في المنطقة بشكل عام، وبسبب قلة الأمطار وعدم السيطرة على المخزون المائي، وعدم إنشاء سدود وبحيرات احتياطية للخزن منذ فترة طويلة. والأمر يتطلب إدارة عملية وناجحة للسياسة المائية، تضمن ليس فقط حقوق العراق المائية، وإنما تتطلب ضمان توفر المياه بشكل عاجل وعدم تكرار النقص في المياه، وأيضاً طرح حلول عاجلة واستراتيجية تضع تفاصيل الأزمة وأسبابها ومخرجاتها أمامها.لا شك أن بين العراق وبين الجارتين إيران وتركيا مصالح مشتركة، وأن هناك اتفاقيات دولية حول تقاسم المياه في نهري دجلة والفرات، ويشمل ذلك الأمر سوريا باعتبارها أولى الدول التي يمر بها الفرات من دولة المنبع. وترتبط هذه الدول بمصالح تفوق العلاقات الثنائية الاعتيادية مع العراق، وهذا التفوق يدفع بالسياسة العراقية إلى الضغط على دول المنبع والمرور لإبداء التسهيلات والمشاركة بالحلول لضمان وصول حصة العراق، وتقدير الحاجة الفعلية لأزمة نقص المياه في العراق عموماً، لا سيما أن جميع هذه الدول تقوم بإنشاء السدود والخزانات لضمان توفير مخزون احتياطي لها. لذلك، يستوجب الأمر أن يتم الشروع بالتفكير لإنشاء سدود لخزن الكميات الفائضة في فترات معينة من السنة، وأن يُصار التفكير جدياً بمحطات تحلية المياه لإنقاذ مناطق ومدن مهمة من وصول نسب الملوحة في المياه إلى درجات غير مقبولة.وفي حال تعذر ذلك، يُصار إلى اللجوء إلى المنظمات الدولية ومحكمة العدل الدولية، واللجوء إلى الضغط الدبلوماسي على هذه الدول لضمان وصول المياه وفق الحصص القانونية إلى العراق، بالإضافة إلى تفعيل أسس السياسة المائية داخل العراق بتقليل الهدر واستعمال الأساليب الحديثة في الزراعة كالـتنقيط والرش، بديلاً عن غمر المساحات التي تعرضها للتبخر والتسرب مما يفقدها ربع الكميات المغمورة، مع إنشاء بحيرات صناعية عميقة تعمل كخزانات تعمل على حفظ المياه بدلاً من هدرها، وتنظيم المواسم الزراعية وتوزيع الحصص المائية على المناطق الزراعية، وتعميم تجربة البيوت البلاستيكية المغطاة لتقليل الاستهلاك.إن هناك أفكاراً وتجارب وفق التقنيات الحديثة يجب الاهتمام بها، منها على سبيل المثال لا الحصر: إعادة تدوير مياه الصرف الصحي، تحلية مياه الخليج العربي وشط العرب، ولم تزل البصرة حتى اليوم تعاني الملوحة في استعمال المياه، والسعي لتطوير البحوث العلمية والعملية في الجامعات العراقية ومراكز البحوث لابتكار حلول تتناسب مع خطورة الأزمة ولغرض السيطرة عليها. ونشد على يد الحكومة الاتحادية في اقتراح نصوص قانونية تتضمن عقوبات شديدة ضد المتجاوزين على الأنهار والسدود وعلى خطوط مياه الشرب، أو على حفر الآبار، أو إنشاء بحيرات صناعية لتربية الأسماك دون موافقات رسمية، وتشديد الرقابة على ذلك.
وجميع الحلول تبقى ناقصة ودون تفعيل ما لم تقترن بحملات توعية داخلية شعبية تتشارك بها الحكومة الاتحادية مع منظمات المجتمع المدني والأحزاب لترشيد الاستهلاك في استغلال المياه في المنازل أو في زراعة الحدائق والمساحات الزراعية، وأن يكون هناك مزيج من الحلول السياسية الخارجية والالتزامات الداخلية تقنياً وإدارياً لإيقاف تدهور ملف المياه الذي سيصبح خانقاً وقاتلاً في حال عدم توفر الحلول التي تحقق السياسة المائية الرصينة، على أن يبقى أمام أنظارنا أن هذه الأزمة كانت سابقاً دون حلول وستتكرر، لتنعكس سلبياً على الواقع الاقتصادي والاجتماعي في العراق ما لم نضع النقاط على الحروف لإنهاء الملف.




