الدكتوره زينة عصام محمد تقدم : الرحالة أحمد بن فضلان.. رائد الحوار الحضاري وأول من دون مشاهداته عن الشعوب الشمالية

هيئة التحريرمنذ 38 دقيقةآخر تحديث :
الدكتوره زينة عصام محمد تقدم : الرحالة أحمد بن فضلان.. رائد الحوار الحضاري وأول من دون مشاهداته عن الشعوب الشمالية

النهار / حمدي العطار

في التاريخ العربي صفحات مشرقة عن الرحلات التي جمعت بين المغامرة والمعرفة، بين الاكتشاف والدبلوماسية، غير أن رحلة أحمد بن فضلان البغدادي تبقى من أبرزها وأكثرها إثارة للدهشة والإعجاب، إذ مثلت حوارا حضاريا صادقا بين الشرق والغرب قبل قرون طويلة من أن يصاغ هذا المصطلح في الفكر الحديث. لقد كان ابن فضلان أول رحالة عربي يبلغ بلاد الروس والصقالبة (البلغار)، في رحلةٍ جمعت بين الدبلوماسية والبحث والاستطلاع الثقافي.

هذا ما يؤكده كتاب «الرحالة أحمد بن فضلان وأهم الشعوب التي زارها» للدكتورة زينة عصام محمد، الذي صدر عام 2024 عن مطبعة الرفاه في 263 صفحة من القطع الكبير، متضمنا ملحقا مصورا وأربعة فصول ثرية بالمادة العلمية والتاريخية.

توضح المؤلفة في مقدمة الكتاب أن الرحلة التي انطلقت من بغداد إلى بلاد البلغار (الصقالبة) عام 309 هـ / 921 م كانت بتكليف من الخليفة العباسي المقتدر بالله، ضمن بعثة دبلوماسية تهدف إلى تقوية الروابط بين الدولة الإسلامية وملك البلغار المسلم، وتعليمهم مبادئ الإسلام وشعائره. كما تتناول بالدراسة والتحليل أهم المحطات التي مر بها الرحالة، والدول التي زارها، بلغة بحثية دقيقة مدعومة بالمصادر التاريخية.

فصول الكتاب

  • الفصل الأول: تناول أثر الإسلام في تغيير مفهوم الرحلة، وتراجع أدب الرحلات في بعض المراحل، إلى جانب عرض لأشهر الرحالة العرب قديما وحديثا، ومقارنات بين رحالة الماضي والحاضر.
  • الفصل الثاني: ركز على دور الثقافة العربية في أوروبا، وتناول علاقة العرب بروسيا، والسلاف، والجرمان، ودول البلقان، وتاريخ الإمبراطورية الروسية.
  • الفصل الثالث: خصص لدراسة الأقوام التي زارها أحمد بن فضلان، كالروس والفايكنغ والفرس والترك والخزر والبلغار، مع تحليل لتأثيرات اللغات النوردية والجرمانية في تلك الحقبة.
  • الفصل الرابع: خصص لرسالة ابن فضلان نفسها، حيث دون فيها مشاهداته وانطباعاته بلغة سردية بسيطة وموثقة.

رحلة التدوين والملاحظة

تميزت كتابات ابن فضلان بصدق الملاحظة وجمال التعبير؛ فأسلوبه كما وصفه محقق رحلته سامي الدهان “لا يبتعد عن أسلوب الأديب ولا يقترب من أسلوب الجغرافي”، إذ كان يصوغ تقاريره بلغة دقيقة ووصف بارع جعلها قريبة من الفن القصصي. وقد أبدع في نقل تفاصيل المجتمعات التي زارها، حتى صوره أحد الفنانين في لوحة فنية معروضة اليوم في متحف التاريخ بموسكو.

ومن أقواله الشهيرة عن الشعوب التي التقاها:

“الأتراك أوحش الناس كلاما، وكلامهم أشبه شيء بصياح الزرازير”،

و”الروس أقذر خلق الله، لا يستنجون من غائط ولا بول، ولا يغتسلون من جنابة ولا يغسلون أيديهم من الطعام، وهم مستهترون بالنبيذ يشربون ليلا ونهارا، وربما مات الواحد منهم والقدح في يده.”

صدى الرحلة في الغرب وغيابها في الوعي العربي

تختم الدكتورة زينة عصام محمد كتابها بتساؤل مؤلم ومهم في آنٍ واحد:

“قليل من العراقيين يعرف من هو أحمد بن فضلان، وما قدمه إلى الدول الاسكندنافية والروس، بينما نجد في كلياتهم مناهج خاصة تدرس فيها مؤلفاته مترجمة عن حياة أجدادهم، فماذا عن دورنا نحن كأحفاد لمن صنعوا التاريخ؟”

خاتمة

يعد هذا الكتاب إضافة نوعية لأدب الرحلات العراقي، وإعادة اكتشاف لرحالة عباسي حمل راية الحوار الحضاري في زمن لم يكن العالم يعرف هذا المفهوم. قراءة أعمال أحمد بن فضلان ليست عودة إلى الماضي، بل هي استحضار لروح التواصل الإنساني التي تعيد تعريف علاقتنا بالآخر، وتذكير بأن الكلمة الصادقة والسفر الواعي يصنعان الجسور بين الأمم.

إنه كتاب يستحق القراءة، لأنه يذكرنا بأن التاريخ لم يكن يوما حكاية بعيدة، بل تجربة إنسانية حية ما زالت تنبض فينا حتى اليوم.

عاجل !!