الحمار ملك
باسم قاسم
نُصبَ الحمار ملك
قالوا للحمار أنت الملك
فعلقوا فوق رأسه تاجاً من قش ومساميـر صدئة
وسكبوا فوق صدره عباءة من ضباب المصابيح
فنهق فرحاً، وكاد الفجر أن يتردى من الحزن
جردوه من اسمه القديم فأعطوه اسماً بلا تاريخ
وسلموه مملكة من طين وحكايات مكسورة
اتخذ البغل وزيراً، والكر حرساً، والمرآة مشاوراً
فتعلموا لغة الخرسانة قبل لغة الناس
وجلس الناس في الساحات يحتسبون ظلالهم
كأن الظل صار ضريبة تجمع من الأنفاس
والصراخ صار طقساً رسمه آخرون بأيديهم العارية
وهم يلوحون بأوراق عليها وجوه بلا أسماء
وظل الحمار يتمرغ بالوحل، يظن الوحل تطهيرا
وكأن الطين يغسل جرائمه لو تكرر عليه غسلة كاذبة
لم يعتد ماء صافياً، ولا على ضوء لا يُصرف بالريموت
فأسلم قلبه للغراب الذي علمه حسن الإشارات
والأسود ذاك الجواد الأسود يجر عربة الملك الناهق
العربة فيها أزرار تضيء حين يخون القمر وعده
مطمئن أنه خلع الجوع عند بوابة البهلوانية
فهم الحمير أمر قيادة الأمة فرفعوا له زياً من غبار
هنا البنايات تهمس بأسماء ليست أسماء
والنواب يقرؤون التبرير كما يقرأ النحال شيفرة العسل
والقضاء يكتب بيده توقيع الظلال على ورقة مبللة
والمواطنون يصفقون لأن أصابعهم سُرقت بمهارة
قلت للحقل: أين غداؤك؟ فابتلعته المدينة في فمها
قلت للبحر: لماذا تبتسم؟ فأجابني بصوت من زيت وصدأ
وقالوا: إن الصوت الآن يُقاس بالضجيج لا بالصدق
فأحيت في صدري طابع سؤال مرسوم على جلد الورق
يا من غرروا بك بالتاج المصنوع من ورق المجلات
هل رأيت كيف تباع الذيلة على قارعة التاريخ؟
هل شعرت بأن النهق صار نشيداً يُعلّم في المدارس؟
أم أنك تظن أن الصمت هو منحة تُعطى لمن ينهق؟
ولكم أن تعلموا: كل من ينهق اليوم له مرايا في كل بيت
تتبعه الكلاب فتلعق توقيعه على الهواء
والأطفال يكتّبون أخطاءهم بخط من ذهب مزيف
والموسيقى ـ إن وجدت ـ تعزف على أوتار مربوطة بخيوط الخوف
فيا من جعلتم النهق قانوناً، والكر نيابة، والوحل طهارة
اذكروا أن الصوت مهما علت حنجرته سيعود إلى الأرض
وأن العربة التي تجرها الأسود تكشف دوماً عن قير عتيق
قد ينهار تحت ثقل الحقائق التي لم تُطو بعد
وفي الختام لأن الشعر يحب أن يبيت على وتر
سأترك لكم نهق الملك في مرآة المدينة، وسأغلق النافذة بنغمة:
نهق… نهق… نهق كأن التاريخ يدور في برميل فارغ
دندنة تختنق ثم تعود… نهق، نهق طنين على أوتار الصواعق
