الحب يصنع المستحيل في حب و حمص و ثالثهما نيتشة للقاص العراقي جمال الهنداوي / حسن الموسوي

هيئة التحرير23 أغسطس 2025آخر تحديث :
الحب يصنع المستحيل في حب و حمص و ثالثهما نيتشة للقاص العراقي جمال الهنداوي / حسن الموسوي

يوجه القاص جمال الهنداوي من خلال مجموعته القصصية حب و حمص و ثالثهما نيتشة رسائل كثيرة عالج من خلالها مشاكل اجتماعية تنوعت بحسب كل  قصة و كذلك الإشارة الى السبل الناجعة للتغلب على تلك المشاكل العنوان و هو من العتبات النصية مكون من ثلاث كلمات حب و هو العاطفة و حمص و هو مجال عمل البطل حيث كان يعمل بائعا للحمص المسلوق  { اللبلبي }  و الكلمة الثالثة نيتشة و هو الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشة المولود سنة 1844 و المتوفى سنة 1900 ، و من أقواله { من لا يستطيع أن يعيش حياته كما يريد ، لا يعيشها ابدا } و من أقواله أيضا{ أن أسمى أنواع الجمال ليس هو ذاك الذي ينشأ على الفور ، بل الذي يتسلل إلينا ببطء ، نحمله معنا و نحن لا نكاد نشعر به } .

يعرف العنوان على أنه ثريا النص و هو مكون من كلمة واحدة أو عدة كلمات تختصر القصة  بأكملها . الإهداء و هو أيضا من العتبات النصية نجد اهداء مختصرا { الى عائلتي } .في المقدمة نجد دراستين عن هذه المجموعة ، الأولى للروائي العراقي الكبير شوقي كريم حسن، و الثانية بقلم الدكتور قصي الشيخ عسكر .العناوين الفرعية هي أيضا من العتبات النصية و نجد فيها ثمان قصص .اللغة في هذه المجموعة كانت سهلة و ممتعة و خالية من التعقيد و خاليا أيضا من الانزياحات اللفظية التي لا تتلائم مع اسلوب كتابة القصة . في قصة حب و حمص و ثالثهما نيتشة و هي نفس عنوان المجموعة القصصية كان الحب هو السبب الرئيسي في تطوير الذات ، فاحساس بائع الحمص بضرورة تطوير ذاته كي يكون ندا للفتاة الجامعية المثقفة التي أحبها ، كان هنالك ثمة حاجز بينهما لذلك قرر أن يتعلم من أجل إلغاء ذلك الحاجز .لقد عمل البطل جليل جاهدا في تغيير واقعه ، في البداية بدأ باقتناء الكتب الفلسفية  ثم قراءتها رغم صعوبة المهمة ، يقول الكاتب{ كانت الجمل قصيرة نوعا ما لكنها تحبس الأنفاس ، تطلمست عليه كلمات مثل العدمية ، الإنسان الأعلى ، ارادة القوة ، و أحس انها أقرب إلى الألغاز منها إلى الكلام الذي كان يسمعه طول حياته } ص 36  .صحيح انها مهمة صعبة ، و لكن ما دام قد وضعها نصب عينيه فإن سبر أغوارها يكون من المسلمات و هكذا انغمس جليل في قراءة الكتب الفلسفية ، صحيح انها كتب صعبة و تكاد تكون غير مفهومة بالنسبة لغير أهل الاختصاص ، و لو انه اختار أن تكون البداية بقراءة القصص و الروايات لكان أفضل بالنسبه إليه ، و لكن هذا هو التحدي الذي قبل به و تفوق في هذا الميدان الصعب ، المهمة الأخرى التي واجهها جليل كانت بتغيير عمله حيث ترك العمل ببيع الحمص المسلوق و افتتح مكتبة يبيع بها الكتب في إشارة منه إلى أنه قد وصل إلى مصاف الطبقة المثقفة .و هنا إشارة من الكاتب الى التطور الحاصل في شخصية جليل ، فالذين يشترون منه الكتب سوف يكونون من علية القوم و هو بذلك سوف يتعامل مع الطبقة المثقفة التي تنتمي إليها الفتاة التي أحبها .ففي البيع و الشراء مع تلك الطبقة سوف ينمي قدراته و مهارته في الكلام .يقول الكاتب { و مع كل زائر جديد كان يشعر بنبض الحياة يتجدد في المكان و بأن حلمه رغم الصعوبات بدأ يتحقق } ص 44 .و أخيرا بعد ان شعر جليل بأن الفتاة التي أحبها لا تشعر به و لاتهتم للتغيير الحاصل في حياته ، حتى انها باتت لا تتذكره استوعب الدرس ، فحبه لها و ان كان من طرف واحد إلا أنه قد غير مجرى حياته و أنه استطاع أن يجد نفسه و يغير مسار حياته ، يقول الكاتب { تنهد بارتياح و أدار ظهره للنوافذ منتشيا بهذا الرضا الجديد ، مستعدا لمواجهة يوم جديد } ص 48 .صحيح ان جليل قد خسر حبيبته إلا أنه تعلم درسا بليغا و ربح نفسه ، يقول باولو كويلو { الهزيمة و الفشل جزء من الحياة ، اذا لم تهزم و تفشل فأنت لم تتعلم ، فمن لا يتألم لا يتعلم } .نهاية القصة كانت منطقية جدا و قد استطاع الكاتب أن يحل عقدة القصة باحترافية و بإتقان تجعل المتلقي يتفاعل مع بطل القصة .  في قصة { بجاه أبي الجوادين } يمرر القاص رسالة مهمة جدا تتمثل بضرورة أن تكون المرأة متسلحة بالعلم و العمل ، هدى الفتاة المكسورة بفقدان والديها و هجر الحبيب و التى تخلى عنها حتى الأقارب ، وجدت نفسها وحيدة و كانت مضطرة للعمل خلف ماكنة الخياطة كي تعيل نفسها ، و رغم الظروف الصعبة التي كانت تعاني منها إلا ان تسلحها بالعمل جعلها أقوى بكثير مما كانت عليه في السابق ، فقد رفضت العرض الذي تقدم به أحمد خطيبها السابق و الذي تركها فيما مضى و تزوج من قريبته بناء على توصية و إلحاح كن قبل والدته ، يقول الكاتب{ و لأول مرة أحست بالامتحان لماكنة الخياطة التي وهبتها الصلابة و القوة و الكرامة و منحتها انتصارا صغيرا لم تتمنه يوما و لكنه كان أقصى المتاح } ص 61 .يتحدث القاص في قصة دليفري عما يعانيه البعض حينما يصلون إلى مرحلة خريف العمر ، فهم لا يهتمون بمغانم الحياة بقدر اهتمامهم بالتفاصيل الصغيرة مثل التحدث مع الآخرين ، فهم بحاجة لمن يسمعهم و يسأل عنهم ، يبحثون عمن يشاركهم همومهم و هذا ناتج من كون أن الإنسان بطبعه اجتماعيا و لا يميل إلى الوحدة ، استعراض لحياة إمرأة قد شارفت سنين عمرها على الانقضاء ، كانت تعاني من وحدة قاتلة بعد ان فقدت كل افراد عائلتها ، سواء من هاجروا  أو من غيبهم الموت حتى باتت بأمس الحاجة للتحدث مع من يطمئن له قلبها ، يقول الكاتب { هل تعلم ما الذي يكسر رغبة الحياة لدى الإنسان ليس الفقر و لا الوحدة انه الصمت ، الصمت يا ولدي الذي يتحول مع الوقت إلى جدار يكتم الأنفاس و يسلب الروح } ص 70 .في قصة على باب ردهة الطوارئ يخبرنا القاص انه حتى السراق لديهم في وقت من الأوقات صحوة ضمير   فالفقر يدفع بالانسان إلى السلوك المنحرف ، لكن رغم ذلك يبقى الإنسان تحت سلطة ضميره ، فهو اي السارق قد ندم على ما فعله و راح يراجع نفسه في كيفية إعادة الموبايل المسروق إلى صاحبه .استخدم القاص أسلوب النهاية المفتوحة ، فهو قد جعل كل شيء ممكنا في نهاية الأحداث مما اتاح للمتلقي الفرصة في صنع الأحداث الأخيرة ، يقول الكاتب{ ثم ، كأن هناك أحدا آخر في داخله نهض فجأة ، التقط الهاتف و لفه بقميص قديم ، أخفاه في الدولاب ، خرج إلى أين ، هل ليبيعه ؟ هل ليعيده ؟ لا يدري } ص 99 .  القصة الأخيرة في هذه المجموعة حملت عنوان الميت الحي و فيها يتحدث الكاتب عن رجل قد زج في غياهب السجن بلا تهمة و كانت المدة التي قضاها تعدت ال 13 سنة يشير الكاتب الى زمن السرد و من الزمن سوف يتعرف القارئ إلى الأحداث التي تلت سقوط النظام الحاكم .

تبدأ معاناة السجن منذ اليوم الأول لسقوط النظام ، فالبحث عن عائلته أولوية بالنسبة إليه .المصيبة الكبرى أن السجين السابق و الذي يرمز إليه الكاتب بالميت الحي هو فعلا ميت و لكن يسير بين الأحياء .معاناة كثير من الشباب ممن زج بهم في السجون بتهم كيدية و أحيانا بلا تهم ، لا لسبب إلا لأن  القائد المخلوع كان يتلذذ برؤية شعبه في السجون و المعتقلات ، يقول الكاتب { هل تعلم ما هو أصعب شيء في السجن ، هو انك حتى عندما تفارقه لا يفارقك ، هناك تكون حيا و لكنك لا تنتمي إلى عالم الأحياء ، حتى جسدك لن يكون لك } ص 122 . لقد أجاد القاص جمال الهنداوي كثيرا في هذه المجموعة و قد استمتعت كثيرا في قراءتها و جعلني اتفاعل كثيرا  مع شخصيات هذه المجموعة .

عاجل !!