البرهان يفتح الباب لدمج الجماعات المسلحة في الجيش

هيئة التحرير18 أغسطس 2025آخر تحديث :
البرهان يفتح الباب لدمج الجماعات المسلحة في الجيش

البرهان يصدر قرارًا يقضي بإخضاع كافة القوات المساندة التي تحمل السلاح وتقاتل إلى جانب الجيش لأحكام قانون القوات المسلحة السودانية

بعض المجموعات المرتبطة بالجيش ارتكبت انتهاكات جسيمة خلال الحرب وبعضهم متهم بتبني أفكار متطرفة

تهدف هذه الخطوة إلى ضبط وتنظيم العلاقة بين الجيش والتشكيلات القتالية التي وقفت معه خلال الحرب المستمرة

فيلق البراء بن مالك والمقاومة الشعبية وقوات درع السودان  تتبنى أفكارًا إسلامية متشددة

دمج القوات المساندة دون عملية تحقق شاملة في خلفياتها وانتهاكاتها المحتملة قد يضع الجيش السوداني أمام أزمة شرعية داخليًا وخارجيًا

الخرطوم / النهار

أصدر الفريق أول عبدالفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش السوداني، قرارًا يقضي بإخضاع كافة القوات المساندة التي تحمل السلاح وتقاتل إلى جانب الجيش، لأحكام قانون القوات المسلحة السودانية لسنة 2007 وتعديلاته. وهو ما يُنظر إليه كمقدمة قانونية لدمج هذه القوات في الجيش الرسمي، في خطوة قد تعيد رسم توازنات القوة في البلاد وتثير جدلاً واسعاً حول شرعية هذه الترتيبات في ظل الخلفيات الأيديولوجية والميدانية لتلك التشكيلات.

ويشمل القرار بحسب بيان رسمي “جميع القوات المساندة العاملة مع القوات المسلحة”، على أن توضع تحت إمرة قادة الجيش في مختلف المناطق العسكرية، ويبدأ سريان القرار اعتباراً من تاريخ صدوره في تطور لافت يعكس تغيّرًا محتملاً في بنية المؤسسة العسكرية السودانية.

وفي ظاهرها، تهدف هذه الخطوة إلى ضبط وتنظيم العلاقة بين الجيش والتشكيلات القتالية التي وقفت معه خلال الحرب المستمرة منذ أبريل/نيسان 2023 ضد قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي). لكن في عمقها، تطرح هذه الخطوة تساؤلات جوهرية حول ما إذا كانت محاولة لمنح هذه الجماعات المسلحة غطاءً قانونياً ومؤسسياً، بل وحتى مكافأة لها على الدور الذي لعبته في الصراع، رغم ما يحيط بها من اتهامات بارتكاب انتهاكات جسيمة ضد المدنيين.

تشير تقارير ميدانية إلى أن بعض هذه القوات – مثل “فيلق البراء بن مالك”، و”المقاومة الشعبية”، و”قوات درع السودان” – تتبنى أفكارًا إسلامية متشددة، وتعمل خارج الأطر النظامية التقليدية. كما وردت في حقها مزاعم بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات ضد المدنيين في مناطق متعددة، خاصة في إقليم دارفور. وهو ما يجعل قرار إخضاعها لقانون الجيش محل ريبة، إذ يرى بعض المراقبين أنه بمثابة “غسل قانوني” لتاريخ حافل بالتجاوزات، بدلًا من إخضاع تلك المجموعات للمحاسبة والمساءلة.

القرار لم يُسمِّ هذه القوات بشكل مباشر، لكن من المعروف أن عددًا من الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام في أكتوبر/تشرين الأول 2020، انحازت إلى الجيش في حربه ضد الدعم السريع، وشاركت إلى جانبه في ما يُعرف بـ”القوات المشتركة”. ويبدو أن إخضاعها لقانون الجيش يأتي كمحاولة لدمجها رسميًا تحت راية المؤسسة العسكرية، وهو ما قد يُحوِّل هذه التشكيلات من ميليشيات غير نظامية إلى وحدات “شرعية” ضمن الجيش السوداني.

هذا التوجه، إن تم، سيعيد تشكيل الخريطة العسكرية والسياسية في السودان، ويمنح البرهان قاعدة دعم جديدة داخل الجيش ذاته، خاصة في ظل الخسائر البشرية والبنيوية التي تعرّضت لها المؤسسة العسكرية في سياق الحرب الحالية، والتي استنزفت قدراتها وأثارت تساؤلات حول تماسكها وقدرتها على الاستمرار منفردة في مواجهة الدعم السريع.

يأتي القرار أيضًا في وقت يُعيد فيه الجيش ترتيب صفوفه، حيث أعلن المتحدث باسمه، العميد نبيل عبدالله، عن ترقية عدد من الضباط من مختلف الدفعات إلى رتب أعلى، وإحالة آخرين إلى التقاعد، في خطوة يُعتقد أنها تهدف إلى تجديد الدماء داخل قيادة الجيش، وتثبيت العناصر الموالية للقيادة الحالية. ومن المرجح أن تُكمّل هذه التغييرات البنيوية خطوة إدماج القوات المساندة، لتشكيل تكتل عسكري أكثر ولاءً للبرهان في مواجهة التحديات المتصاعدة داخليًا وخارجيًا.

ومع ذلك، فإن دمج القوات المساندة دون عملية تحقق شاملة في خلفياتها وانتهاكاتها المحتملة قد يضع الجيش السوداني أمام أزمة شرعية، داخليًا وخارجيًا. فبعض هذه التشكيلات متهمة بممارسات طائفية وعنصرية، والتورط في عمليات انتقامية ضد المدنيين على أساس مناطقي أو إثني، وهو ما يمكن أن يقوّض أي جهود لاحقة لتحقيق العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية.

ويرى محللون أن إدماج هذه الجماعات المسلحة، من دون إخضاعها لبرامج إصلاح وتأهيل حقيقية، يمكن أن يعزز من ظاهرة عسكرة الدولة، ويحوّل السودان إلى دولة تسودها مراكز قوى مسلحة متعددة تحت عباءة الجيش، دون وحدة عقيدة أو انضباط مؤسسي. كما يُنذر ذلك بترسيخ الانقسامات داخل المؤسسة العسكرية نفسها، خاصة إذا تم دمج قوات على أسس جهوية أو عقائدية.

رغم أن القرار قد يُقرأ كجزء من مساعي تنظيم العلاقة بين الجيش وحلفائه على الأرض، إلا أنه في واقع الأمر يثير مخاوف حقيقية بشأن المسار الذي تتجه إليه المؤسسة العسكرية السودانية. فبدلًا من بناء جيش وطني موحّد يخضع لمساءلة قانونية ومؤسساتية، يبدو أن السلطة الحاكمة تمضي في خيار توسيع القاعدة العسكرية على حساب المعايير المهنية والحقوقية.

وإذا لم يُقترن هذا القرار بآلية شفافة لتصفية الانتهاكات ومحاسبة المتورطين، فإن السودان قد يجد نفسه أمام مشهد جديد من الفوضى المقنّنة، حيث تُكافأ الجماعات المسلحة على عنفها، لا تُحاسب عليه.

وبحث قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان مع مستشار الرئيس الأميركي للشؤون الأفريقية مسعد بولس في سويسرا مقترحا أميركيا لإرساء السلام في السودان، وفق ما أفاد مصدران في الحكومة السودانية وكالة فرانس برس الثلاثاء.

والاجتماع هو الأعلى مستوى على هذا الصعيد منذ أشهر، ويمثل دفعة جديدة للجهود الدبلوماسية الرامية لإنهاء الحرب الدامية بين الجيش بقيادة البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو الملقب “حميدتي” التي يشهدها السودان منذ منتصف أبريل 2023.

وأسفر النزاع عن مقتل عشرات آلاف الأشخاص وتسبّب بما تصفه الأمم المتحدة بأنه أسوأ أزمة إنسانية في التاريخ الحديث.

وقال مصدر حكومي رفيع إن البرهان وبولس التقيا الإثنين “لثلاث ساعات” وبحثا “مقترحا قدّمته الولايات المتحدة لوقف إطلاق نار شامل في السودان وإيصال المساعدات الإنسانية”.

ويأتي التحرك الأميركي في ظل فشل وساطات سابقة قادتها الولايات المتحدة والسعودية في العامين الماضيين وقفا لإطلاق النار ما يعكس حرص واشنطن على إحياء جهود السلام.

وسبق أن حاولت الولايات المتحدة جمع قوى خارجية ينظر إليها على أنها الأكثر تأثيرا لدى الطرفين المتحاربين، مثل السعودية ومصر والإمارات، لكن تلك الجهود لم تكلل بالنجاح بسبب تباين الرؤى حول دور الجيش في أي عملية سلام محتملة بالمستقبل.

ووفقا لما أفاد موقع “مداميك” السوداني، فإن مستشار الرئيس الأميركي أكد على رغبة بلاده في بناء علاقات مباشرة مع السودان، شرط تحقيق تحول مدني ديمقراطي يتوافق مع مطالب ثورة ديسمبر 2018، وإعادة التعاون في مجال مكافحة الإرهاب. وهو ما يعكس الموقف الأميركي الثابت في ربط الدعم السياسي والتعاون مع أي حكومة سودانية بمبادئ الحكم المدني

وتظهر تصريحات البرهان خلال اللقاء وجود تصلب في موقفه تجاه قوات الدعم السريع. فقد أبلغ مسعد بولس “أنه ليس للدعم السريع دور سياسي في السودان”، وفق ما أفاد مصدر حكومي وكالة فرانس برس طالبا عدم كشف هويته لكونه غير مصرح له التحدث للإعلام.

وأوضح المصدر أن البرهان، الحاكم الفعلي للسودان، تسلّم المقترح قبل سفره الى سويسرا، وأنه عاد إلى بورتسودان فجر الثلاثاء.

ويتناقض موقف البرهان بشكل مباشر مع أي تصور للسلام يشرك قوات الدعم السريع في المستقبل السياسي للبلاد، ويزيد من تعقيد مهمة المفاوضين.

وأفاد موقع مداميك نقلا عن مصادر أميركية بأن اللقاء تم بترتيب قطري وسط تكتم شديد وذلك في إطار التواصل مع الأطراف المتحاربة لوقف الحرب في السودان والاستجابة للأزمة الإنسانية.

وكشفت المصادر لمداميك عن أن المستشار الأميركي الرفيع شدد على البرهان على ضرورة وقف الحرب فورا، كما نصحه بإجراء مفاوضات مباشرة مع الامارات لخفض التوتر. كذلك أشارت المصادر إلى أن بولس سيجمع في وقت لاحق مع وفد من قوات الدعم السريع لبحث خطة السلام الأميركية بشأن السودان.

ويهدف هذا المسار المزدوج للمفاوضات إلى إقناع الطرفين بالجلوس على طاولة الحوار، وهو ما طالب به تحالف “صمود” بقيادة رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك.

ورحب التحالف بمبادرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الرامية إلى وقف الحرب في السودان، مشيدا بالجهود الدولية والإقليمية التي تسعى إلى إنهاء النزاع المسلح الذي دخل عامه الثالث.

وثمّن في بيان رسمي اللقاء واعتبره خطوة مهمة نحو إطلاق عملية سياسية جادة، داعيا إلى تسريع وتيرة المشاورات والعمل على عقد لقاء مباشر بين قيادتي طرفي الحرب في أقرب وقت ممكن، من أجل إنهاء الأزمة الكارثية التي أفرزها النزاع، وما ترتب عليه من واقع مأساوي طال المدنيين والمؤسسات على حد سواء.

وعبّر عن أمل التحالف في أن تتحلى قيادتا الجيش وقوات الدعم السريع بالمسؤولية الوطنية والشجاعة السياسية اللازمة للتقدم نحو تسوية سلمية، مشيرًا إلى أن استمرار الصراع يهدد بفناء الدولة السودانية ويعرض الشعب لمزيد من المعاناة والانهيار.

 

كما دعا التحالف جميع مكونات الشعب السوداني إلى اغتنام هذه الفرصة التاريخية لإنهاء الحرب، وتجاوز الخلافات السياسية والعسكرية، مؤكداً أن الجميع بات خاسرا في هذه الحرب، وأن استمرارها لا يخدم أي طرف.

ويقع على عاتق البرهان مسؤولية كبيرة في المرحلة المقبلة، فبينما يصر على استبعاد قوات الدعم السريع من المشهد السياسي، تفرض المعطيات الميدانية والإنسانية واقعا معقدا يتطلب مرونة سياسية.

ويتطلب النجاح في التوصل إلى وقف إطلاق نار شامل من البرهان تجاوز تصلب موقفه والاعتراف بضرورة التفاوض مع الطرف الآخر، وأيضا التعامل بجدية مع المخاوف الأميركية بشأن التحول المدني الديمقراطي، وإعادة بناء الثقة مع الأطراف الإقليمية مثل الإمارات.

وقال رئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير، إن البحث عن السلام ليس مذمّة والجلوس إلى طاولة التفاوض لإنهاء الحرب المشتعلة في السودان ليس خيانة كما يصور دعاة استمرار الحرب.

وأوضح الدقير في تصريح تعليقا على رحلة البرهان إلى سويسرا، أن المهم حقا هو توفر إرادة السلام الجادة لدى جميع الأطراف، والتقاء أوسع قاعدة سياسية واجتماعية على دعم أي خطوة نحو إيقاف الحرب.

وأشار الى ان الحل السياسي السلمي ليس ترفا ولا شعارا عابرا، بل هو المطلب العاجل لخلاص السودانيين من الكارثة الإنسانية، وهو صمام الأمان لبقاء السودان موحَّداً والتوافق على إعادة بنائه على أسس جديدة وعادلة تضمن الحياة الكريمة لأهله كافة بلا تمييز، وتابع “فلْتتوحد إرادة الخير لإطفاء نار الحرب، وفتح أبواب الوطن لنسائم السلام”.

وميدانيا، تتواصل المعارك في السودان. فمنذ استعاد الجيش السوداني السيطرة على الخرطوم في مارس، نقلت قوات الدعم السريع عملياتها غربا، لتركز على دارفور وكردفان في مسعى لتعزيز مكاسبها الميدانية.

وفي إطار سعيها لإحكام قبضتها على كامل إقليم دارفور، شنّت قوات الدعم السريع الإثنين هجوما جديدا على الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، أوقع 40 قتيلا في مخيم للنازحين، بحسب غرفة طوارئ مخيم أبوشوك.

وخلال الأسبوع الماضي، توفي 63 شخصا على الأقل بسبب سوء التغذية في مدينة الفاشر بينما تشير تقارير إلى أن بعض العائلات باتت تقتات على علف الحيوانات أو بقايا الطعام.

ويعاني نحو 25 مليون شخص في جميع أنحاء السودان من انعدام الأمن الغذائي، وفقا للأمم المتحدة.

ومع دخول الحرب عامها الثالث، صارت البلاد منقسمة بحكم الأمر الواقع بين المتحاربين، إذ يسيطر الجيش على الوسط والشرق والشمال، في حين تسيطر قوات الدعم السريع على كل دارفور تقريبا وأجزاء من الجنوب.

عاجل !!