الحكومة السودانية تؤكد أنها تعمل حاليا عبر قنوات الاتصال الفني مع الجانب الأميركي في ملف استخدام السلاح الكيماوي في محاولة لتجنب العقوبات
أفادت وزارة الخارجية السودانية في بيان بأن “السودان شارك في أعمال الدورة 109 للمجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية المنعقدة في لاهاي بهولندا
دعت الحكومة السودانية المجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية إلى إتاحة الفرصة لهذا المسار لاستكمال أعماله بروح من التعاون البنّاء
أصدر رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبدالفتاح البرهان قراراً بتشكيل لجنة وطنية للتحقيق بالمزاعم الأميركية المتعلقة باستخدام الجيش السوداني أسلحة كيميائية في الحرب
يشهد السودان منذ 2023 حربا دامية بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو الملقب حميدتي
الخرطوم / النهار
أكد السودان تعامله بجدية وشفافية مع ما وصفها مزاعم واشنطن بشأن استخدام الأسلحة الكيميائية، مبينا أنه يعمل حاليا عبر قنوات الاتصال الفني مع الجانب الأميركي فيما تواجه السلطات السودانية ضغوطا بعد اتهامات متواصلة باستخدام السلاح الكيماوي في الحرب ما شكل جريمة بحق المدنيين وسط مطالبات بالمحاسبة.
وأفادت وزارة الخارجية السودانية في بيان بأن “السودان شارك في أعمال الدورة 109 للمجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية المنعقدة في لاهاي بهولندا، وقدم بيانا بشأن المزاعم الأميركية باستخدام الأسلحة الكيميائية”.
وفي 27 يونيو/حزيران دخلت عقوبات أميركية جديدة على السودان حيّز التنفيذ، بعد اتهام وزارة الخارجية الأميركية للحكومة السودانية باستخدام أسلحة كيميائية في صراعها مع قوات الدعم السريع خلال عام 2024.
وتشمل هذه العقوبات قيوداً على الصادرات الأميركية إلى السودان، إضافة إلى تقييد الوصول إلى خطوط الائتمان الحكومية الأميركية.
وأضاف بيان الخارجية “ناقش المجلس ضمن جدول أعماله المزاعم الأميركية الأخيرة بشأن استخدام أسلحة كيميائية في السودان، وذلك في ضوء طلبات الإيضاح التي تلقتها المنظمة من عدد من الدول الأعضاء”.
وأكد أن حكومة السودان تتعامل بجدية وشفافية مع هذه المزاعم، وتوليها الاهتمام الذي يتسق مع مسؤولياتها القانونية والأخلاقية، وقد شرعت فعلياً في اتخاذ تدابير عملية للتعاطي معها.
وأشار إلى أن “التعامل الموضوعي مع مثل هذه المزاعم يتطلب الاطلاع على المعلومات التي بُنيت عليها، وهو ما تعمل عليه الحكومة السودانية حالياً عبر قنوات الاتصال الفني مع الجانب الأميركي، الذي أبدى استعداده لتزويد السودان بالبيانات والتفاصيل الضرورية خلال الفترة القادمة”.
ودعت الحكومة السودانية المجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية إلى “إتاحة الفرصة لهذا المسار لاستكمال أعماله بروح من التعاون البنّاء”.
وشددت على التزامها الكامل بأحكام اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، واستعدادها التام للتعاون مع المنظمة وجميع الدول الأطراف، دعما للجهود الدولية الرامية إلى منع انتشار واستخدام الأسلحة الكيميائية، وتعزيز الأمن والسلم على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وفي 29 مايو/أيار أصدر رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبدالفتاح البرهان قراراً بتشكيل لجنة وطنية للتحقيق بالمزاعم الأميركية المتعلقة باستخدام الجيش السوداني أسلحة كيميائية في الحرب مع “قوات الدعم السريع”.
وكانت الحكومة السودانية أعلنت في 23 مايو/أيار رفضها القاطع لـ”المزاعم الأميركية غير المؤسسة” و”الباطلة” بشأن استخدام الجيش أسلحة كيميائية في الحرب المستمرة في البلاد.
جاء ذلك بعد يوم واحد من إعلان وزارة الخارجية الأمريكية نيتها فرض حزمة عقوبات جديدة على السودان، مدعيةً استخدام الجيش السوداني أسلحة كيميائية خلال الحرب الأهلية.
ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023 يخوض الجيش السوداني و”قوات الدعم السريع” حرباً أودت بحياة أكثر من 20 ألف شخص، وتسببت في نزوح ولجوء نحو 15 مليوناً، وفق بيانات الأمم المتحدة والسلطات المحلية، فيما قدّر بحث أجرته جامعات أمريكية عدد القتلى بنحو 130 ألفاً.
ويتأمل حاتم أحمد عبدالحميد بمرارة بقايا نخيله في الأرض المتشققة المحرومة من المياه بعد أن جفّت قنوات الري في شمال السودان، جراء الحرب المستعرة منذ أكثر من عامين.
ويقول عبدالحميد لفرانس برس من مزرعته في قرية تنقاسي الواقعة في الولاية الشمالية على الحدود مع مصر “فقدت ما بين 70 إلى 75 في المئة من محاصيلي هذا العام، والآن أحاول إنقاذ ما تبقى”، وكمعظم المحاصيل في السودان، تعتمد زراعته على مضخات مياه تعمل بالكهرباء إلا أن هذه المضخات توقفت “منذ أكثر من شهرين” نتيجة النزاع المستمر.
ويشهد السودان منذ أبريل/نيسان 2023 حربا دامية بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو الملقب “حميدتي”.
وأودت الحرب بحياة عشرات الآلاف وشردت 13 مليونا داخل وخارج البلاد، وتسببت في تدمير البنية التحتية بما في ذلك محطات توليد الكهرباء وبذلك لم تعد مياه النيل تصل إلى الأراضي الزراعية.
ويتابع عبدالحميد “نحن في وضع شبه ميئوس منه… حاولنا إيجاد بدائل للكهرباء لكن تكلفة الديزل أغلى بعشرين مرة”، مشيرا إلى أن نفقاته في السابق كانت تتراوح بين 3000 و4000 جنيه سوداني (حوالي 4 إلى 5 يورو) لكل عملية ري، أما اليوم فيحتاج ما بين 60 و70 ألف جنيه سوداني (85 إلى 100 يورو).
ومن جانبه، يؤكد عبدالحليم أحمد الزبير وهو مزارع آخر من المنطقة، أن التكاليف تضاعفت أكثر من عشر مرات قائلا “كنت أستثمر 10 آلاف جنيه سوداني في الري، أما اليوم فقد بلغت التكلفة 150 ألف جنيه” (أي من نحو 14 إلى 211 يورو).
ويضيف “خسرنا 3 مواسم زراعية حتى الآن … والمزارع التي كانت سابقا مليئة بالحبوب والمحاصيل أصبحت الآن شبه خالية. كل ما زرعناه دُمر”.
وفي ظل النقص الحاد في البذور والأسمدة والوقود، لن يتمكن العديد من المزارعين من زراعة أرضهم في الوقت المناسب، ما ينذر بكارثة زراعية في الموسم المقبل.
وفي العام 2024، توقفت أنشطة حوالي 35 في المئة من الأسر الريفية في ولاية الشمالية بسبب النزاع، وفقا لدراسة مشتركة بين برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (PNUD) والمعهد الدولي لأبحاث سياسة الغذاء (IFPRI).
وقّدر الباحث عبدالفتاح حامد علي من مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية، خسائر البلاد الناتجة عن تدمير القطاعين الصناعي والزراعي بأكثر من 170 مليار يورو خلال عامين من الصراع، في مقابلة نُشرت على موقع مبادرة الإصلاح العربي.
ويرى أن الحرب تُفاقم ظاهرة التصحر الناتجة عن تغيّر المناخ في أحد أكثر البلدان تأثرا في أفريقيا، إذ يلجأ النازحون من أجل البقاء إلى قطع الأشجار وتحويل مناطق تلجأ إليها الحيوانات في هجراتها أو مخصصة للرعي إلى أراضٍ زراعية ما يُعمّق الخلل البيئي. كما يخلّف النزوح الريفي أراضي مهجورة عرضة للتآكل والجفاف.
وكانت البلاد قد بدأت بالكاد تلتقط أنفاسها بعد الجفاف الكبير الذي ضربها العام 1985 وأدى إلى مجاعات واسعة النطاق ونزوح جماعي نحو المدن، حتى جاءت حرب العام 2023 لتقضي على ما تبقى من بوادر التعافي، وفقا لدراسة نُشرت في مجلة “صدى” الصادرة عن برنامج كارنيغي للشرق الأوسط.
وبحسب برنامج الأغذية العالمي، فإن قطاع الزراعة الذي يشكّل المصدر الأساسي للغذاء والدخل لنحو 80 في المئة من السكان ينهار تحت وطأة العنف والتهجير والانهيار الاقتصادي.
ومع دخول الحرب عامها الثالث، أدّى الصراع في السودان إلى دفع أكثر من نصف السكان نحو حالة من انعدام الأمن الغذائي الحاد وسط تزايد بؤر المجاعة وسوء التغذية في مناطق عديدة، وفقا للأمم المتحدة.
وأعلن تحالف السودان التأسيسي “تأسيس” تشكيل هيئة قيادية له برئاسة قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو الملقب بـ”حميدتي”، ورئيس الحركة الشعبية – شمال عبدالعزيز الحلو نائبا له، فيما يرسل هذا الإعلان رسالة واضحة للوسطاء الإقليميين والدوليين بأن أي حل مستقبلي في السودان يجب أن يشتمل على دور أساسي لحميدتي وتحالفه.
ويعدّ هذا التكليف خطوة هامة على طريق تشكيل “حكومة سلام ووحدة” وهو تحرك يعكس رغبة حميدتي في الانتقال من قائد عسكري إلى قائد سياسي للدولة، بما يفضي إلى تأسيس الدولة السودانية الجديدة.
ويعزز هذا التطور فرص قائد الدعم السريع في فرض شروطه في أي مفاوضات مستقبلية ورفض أي حلول لا تضمن تسوية شاملة للأزمة السودانية.
وتمكن حميدتي خلال جولاته الخارجية ولقاءاته مع قادة وسياسيين من دول أخرى من بناء شبكة دعم إقليمية ودولية لموقفه، فيما ينتظر أن تؤسس قيادته لتحالف “تأسيس” لمزيد جذب المؤيدين لكيانه السياسي الجديد.
ومنذ اندلاع الحرب في السودان أثبت قائد قوات الدعم السريع التزامه الصادق بالانخراط في أي مبادرات تهدف إلى إنهاء الصراع، لكن تعنت قائد الجيش عبدالفتاح البرهان وتمسكه بالتصعيد وتلغيمه المفاوضات بشروط اُعتبرت “تعجيزية” عقد جهود إرساء سلام.
وقال التحالف، في بيان “عقب مشاورات موسعة، عقدت الهيئة القيادية لـ”تأسيس” سلسلة اجتماعات اتسمت بالشفافية والجدية، تم خلالها إجازة النظام الأساسي، وتشكيل الهيئة القيادية من 31 عضوا”.
وأوضح أنه “تم توافق على القيادة برئاسة محمد حمدان دقلو “حميدتي”، وعبدالعزيز آدم الحلو نائبا للرئيس، وعلاءالدين عوض نقد متحدثا رسميا، ومكين حامد تيراب مقررا”.
وفي فبراير/شباط الماضي، شكلت قوات الدعم السريع وقوى سياسية وحركات مسلحة سودانية، خلال اجتماعات بالعاصمة الكينية نيروبي، تحالف “تأسيس”، ووقعت ميثاقا سياسيا لتشكيل حكومة موازية للسلطات في السودان.
واستدعى السودان آنذاك سفيره لدى نيروبي كمال جبارة، احتجاجا على استضافة كينيا الاجتماعات التي ضمت قوى سياسية وقيادات من الدعم السريع. وتقول كينيا إن استضافتها لتلك اللقاءات “تأتي في إطار سعيها لإيجاد حلول لوقف الحرب في السودان، بالتنسيق مع الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي”.
ويعد إعلان تحالف “تأسيس” عن تشكيل هيئته القيادية خطوة ذات دلالات كبيرة تعكس محاولة لإعادة تشكيل الخارطة السياسية في السودان، لكنها في الوقت نفسه تنذر بمزيد من الانقسام في بلد يعاني بالفعل من ويلات الحرب.
ومنذ أبريل/نيسان 2023 يخوض الجيش السوداني والدعم السريع حربا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 15 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما قدر بحث لجامعات أميركية عدد القتلى بنحو 130 ألفا.
كما قال مسؤول في برنامج الأغذية العالمي إن المساعدات الغذائية المقدمة للاجئين السودانيين في أربع دول مجاورة قد تنفد في غضون الشهرين المقبلين ما لم يتم ضخ تمويل جديد بصورة عاجلة، محذرا من ارتفاع مستويات سوء التغذية.
وتؤكد هذه التحذيرات أن الأزمة في السودان ليست مجرد قضية داخلية، بل هي أزمة إقليمية ذات تداعيات إنسانية خطيرة تتطلب استجابة دولية منسقة وفورية لمنع كارثة إنسانية أوسع نطاقًا.
وبدأت منظمات الإغاثة بالفعل في تخفيض الحصص الغذائية المقدمة للاجئين، وقد تتوقف هذه المساعدات تمامًا في بعض الدول في حال لم يتوفر تمويل.
وتعاني الدول المجاورة التي تستضيف ملايين اللاجئين السودانيين من ضغط هائل على أنظمة الدعم والموارد المتاحة لديها، وهي في الأساس تشهد مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي والصراعات.
ويتوقع أن يؤدي نقص الدعم الدولي إلى توترات بين اللاجئين والمجتمعات المضيفة بسبب محدودية الموارد. وفر أكثر من أربعة ملايين لاجئ سوداني من الحرب الأهلية الدائرة في بلدهم منذ أكثر من عامين إلى سبع دول مجاورة، حيث تُعتبر ظروف اللجوء غير ملائمة بشكل كبير جراء نقص التمويل المستمر.
وقال شون هيوز منسق الطوارئ في برنامج الأغذية العالمي لأزمة السودان الإقليمية خلال مؤتمر صحفي بجنيف “ما لم يتم توفير تمويل جديد، فإن جميع اللاجئين سيواجهون تخفيضات في المساعدات في الأشهر المقبلة”.
وأضاف “في أربع دول، هي جمهورية أفريقيا الوسطى ومصر وإثيوبيا وليبيا، أصبحت عمليات برنامج الأغذية العالمي تعاني من نقص حاد في التمويل، لدرجة أن كل الدعم قد يتوقف في الأشهر المقبلة مع نفاد الموارد”، موضحا في وقت لاحق أن الأمر قد يحدث في غضون شهرين.
ويفر العديد من هؤلاء السودانيين من بؤر الجوع في بلدهم. وذكر تقرير مشترك للأمم المتحدة صدر عن منظمة الأغذية والزراعة “الفاو” وبرنامج الأغذية العالمي الشهر الماضي أن البلاد معرضة لخطر المجاعة الوشيك.
وقال هيوز إن أي خفض أو وقف للحصص الغذائية سيزيد من خطر إصابة الأطفال اللاجئين بسوء التغذية. ولدى سؤاله عن سبب انخفاض التمويل، أشار إلى تخفيضات الجهات المانحة بشكل عام وتزايد الاحتياجات الإنسانية.
وأضاف أن الولايات المتحدة، التي خفضت إنفاقها على المساعدات الخارجية بشكل كبير في عهد الرئيس دونالد ترامب، لا تزال أكبر مانح للسودان.
ويحتاج برنامج الأغذية العالمي حاليًا إلى أكثر من 200 مليون دولار لمواصلة الاستجابة الطارئة للاجئين السودانيين في الدول المجاورة للأشهر الستة المقبلة، بالإضافة إلى 575 مليون دولار أخرى للعمليات المنقذة للحياة داخل السودان.
وتؤكد المنظمات الإنسانية أن الدعم الإنساني وحده لن يضع حدًا للنزاع والنزوح القسري في السودان، مشددة على الحاجة الماسة لتحرك سياسي ودبلوماسي عاجل لإنهاء القتال وتحقيق السلام والاستقرار.