التباين بين الخطاب السياسي المتفائل والعنف الميداني المتجدد يظهر أن الاتفاق بين الرئيس السوري وقائد قسد لا يزال في مرحلة المخاض الصعب
شدد وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني على أهمية هذه الخطوة، مؤكدا حرص الرئيس الشرع على أن تكون “قسد” جزءا أساسيا من مستقبل سوريا
هناك علامة استفهام حول مستقبل الاتفاق الذي الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية والذي يفترض أن يدمج القوة الكردية المدعومة أميركيا ضمن مؤسسات الدولة
شهدت المنطقة الشرقية من دير الزور ليلة متوترة، حيث تبادلت القوات السورية وقوات “قسد” إطلاق النار بالأسلحة الرشاشة والقذائف
دمشق / النهار
اندلعت مؤخرا جولة جديدة من الاشتباكات العنيفة بين قوات الجيش السوري و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في بلدتي محكان والكشمة شرقي دير الزور، لتؤكد مجددا أن صفيح التسوية السورية لا يزال يغلي رغم التعهدات والتفاهمات رفيعة المستوى.
وجاء هذا التصعيد المسلح ليضع علامة استفهام حول مستقبل اتفاق العاشر من مارس الذي وقعه الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، والذي يفترض أن يدمج القوة الكردية المدعومة أميركيا ضمن مؤسسات الدولة.
ولا تعد هذه الاشتباكات مجرد خرق لاتفاق هدنة، بل هي مؤشر على عمق الشرخ بين إرادة القمة المتفائلة وواقع السيطرة والنفوذ المتشابك على ضفتي نهر الفرات.
وشهدت المنطقة الشرقية من دير الزور ليلة متوترة، حيث تبادلت القوات السورية وقوات “قسد” إطلاق النار بالأسلحة الرشاشة والقذائف.
وأفادت التقارير أن الاشتباكات استمرت لساعات، مع محاولات تسلل فاشلة لـ”قسد” إلى نقاط سيطرة الجيش، وفقا لموقع “تلفزيون سوريا”.
وعلى الرغم من تأكيد الجيش إحباط هذه المحاولات وعدم حدوث أي تغيير في خريطة السيطرة، فإن طبيعة المواجهة تشير إلى استمرار النزاع على الأرض.
وأعلنت “قوات سوريا الديمقراطية” بدورها أن مسلحين مجهولين هاجموا إحدى نقاطها في قرية “أبوحمّام”، وأنها ردّت على مصادر إطلاق النار بـ”الوسائل المناسبة”.
وهذا النفي الضمني لتحمل المسؤولية يواجهه تقرير المرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي أوضح أن عناصر من مناطق سيطرة الحكومة السورية على الضفة الغربية لنهر الفرات هم من استهدفوا نقطة “قسد” بقذائف “آر بي جي”، مما أدى إلى اندلاع الاشتباكات العنيفة التي امتدت لاحقا لتشمل بلدة ذيبان.
ويبرز هذا التضارب في الروايات حالة فقدان الثقة بين الأطراف المتصارعة، ما يجعل أي تهدئة ميدانية مؤقتة وهشة للغاية.
وتأتي هذه الأحداث لتؤكد أن النزاع في شمال وشرق سوريا لم يحل بعد، رغم الجهود الدبلوماسية الأخيرة.
ولطالما تجددت الاشتباكات المحدودة بين الجيش السوري و”قسد” في محافظتي دير الزور وحلب، وهذا النمط المتكرر من العنف يشير إلى خلافات هيكلية عميقة تتجاوز الترتيبات التكتيكية.
وفي الشهر الماضي وحده، أعلنت وزارة الدفاع السورية مقتل عنصرين من الجيش جراء استهدافهما من قبل قوات “قسد” في ريف حلب الشرقي، مما يدل على أن حالة الاستنفار ليست مجرد رد فعل، بل هي جزء من توتر مزمن بين الطرفين.
واستمر هذا التوتر حتى بعد توقيع اتفاق 10 مارس الماضي، الذي يعتبر أهم وثيقة سلام منذ سنوات، والذي يقضي بدمج جميع المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة لـ”قسد” ضمن إطار الدولة، بما يشمل المعابر الحدودية وحقول النفط والغاز.
وكان الهدف الأساسي من الاتفاق هو إنهاء حالة الانفصال الإداري والعسكري التي استمرت لسنوات، وإعادة الشمال والشرق إلى سيادة دمشق الكاملة.
وتباينت التصريحات مؤخرا بشكل كبير مع أصوات الرصاص في دير الزور.
وأكد قائد “قسد” مظلوم عبدي التزامه بدمج قواته ضمن الجيش السوري، مشيرا في تصريحات لوكالة “أسوشيتد برس” إلى أن خبراتهم في مواجهة “داعش” ستعزز قدرات الدولة السورية.
وألمح عبدي إلى مرونة تركية محتملة تجاه هذا الاندماج، متوقعا أن يحصل أعضاء وقادة “قسد” على مناصب جيدة في وزارة الدفاع وقيادة الجيش، معتبرا أن تطبيق اتفاق مارس سيساهم في حل العديد من المشاكل الأخرى في سوريا.
وشدد وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني على أهمية هذه الخطوة، مؤكدا حرص الرئيس الشرع على أن تكون “قسد” جزءا أساسيا من مستقبل سوريا.
وأوضح الشيباني أن غياب “قسد” عن مؤسسات الدولة يعمّق الشرخ، مشيرا إلى “فرصة تاريخية” أمام المنطقة لتكون جزءا فاعلا.
وكشف الوزير عن نجاح الحكومة في إقناع الدول المعنية بملف “قسد” بأن الحل الوحيد يكمن في اتفاق 10 مارس، مؤكدا أن الشراكة ضرورة يجب تحقيقها بأسرع وقت ممكن.
وتوجت هذه الجهود باجتماع وزير الدفاع السوري اللواء مرهف أبوقصرة مع مظلوم عبدي في دمشق قبل أسابيع، حيث اتفقا على وقف شامل لإطلاق النار.
وكان هذا الاتفاق بمثابة خيط الأمل الأخير بعد تصعيد لافت شهدته حلب، حيث استهدفت “قسد” حينها القوات الحكومية ومنازل المدنيين.
ويظهر التناقض بين الخطاب السياسي المتفائل والعنف الميداني المتجدد أن اتفاق الاندماج لا يزال في مرحلة المخاض الصعب، فبينما تتحدث دمشق عن “شراكة” و”اندماج”، تستمر الاشتباكات التي يغذيها عدم الثقة والنزاع على النقاط الاستراتيجية في دير الزور الغنية بالنفط والغاز.
ويعد هذا التصعيد بمثابة اختبار قاس لجدية وإمكانية تطبيق اتفاق مارس، إذ أن استمرار الاشتباكات، حتى لو كانت محدودة، يعرقل مصالح المدنيين ويؤخر عودة المهجرين، ويقدم دليلا على أن القادة الميدانيين على ضفتي الفرات لم يستوعبوا بعد التوجيهات السياسية من القمة.
ويكمن التحدي في تجسيد التفاهمات الورقية كواقع عسكري وأمني مستدام، فما لم تنجح القيادات العليا في دمشق و”قسد” بفرض سيطرة حقيقية وإقرار وقف نهائي لإطلاق النار على الأرض، فإن “الفرصة التاريخية” ستبقى مجرد عنوان أجوف يتآكل بفعل ضربات الـ”آر بي جي” والأسلحة الرشاشة في بلدات دير الزور، حيث يبعث الصراع المستمر في الميدان برسالة مفادها أن سفينة السلام الهشة قابلة للغرق في أية لحظة عسكرية.
وشدّد الزعيم اللبناني وليد جنبلاط، أحد أبرز القيادات الدرزية في المنطقة، على تمسّكه بوحدة الأراضي السورية، مؤكداً أن محافظة السويداء تشكّل ركناً أساسياً من سوريا الواحدة. وانتقد جنبلاط ما أقدم عليه الشيخ حكمت الهجري، أحد شيوخ عقل الدروز في سوريا، من محاولة استبدال اسم “جبل العرب” باسم “جبل باشان”، واصفاً الخطوة بأنها تحريف للتاريخ ومسٌّ بالهوية الوطنية.
ويعتبر موقف جنبلاط حاسما في رفض استغلال ملف الأقليات خاصة الدروز لإثارة النعرات العرقية في سوريا التي تسعى لإنهاء تداعيات اكثر من عقد من الحرب الأهلية أدت في النهاية لسقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وتطرق جنبلاط في لقاء خاص أجرته معه قناة “الإخبارية السورية” الرسمية، إلى التطورات التي شهدتها السويداء (جنوب) خلال الأشهر الماضية، عقب التوترات الأمنية بين مجموعات مسلحة من الدروز وسكان محليين من البدو، وما أعقبها من عمليات ترحيل لهم من مناطقهم.
واعتبر أن “تهجير أهل حوران البدو من بلادهم خطأ كبير يجب أن يصحح” مؤكدا رفضه لأي ممارسات من شأنها المساس بالنسيج الاجتماعي السوري.
وتعليقا على قيام الهجري، بتغيير اسم “جبل العرب” إلى “جبل باشان”، اعتبر الزعيم الدرزي اللبناني، ذلك “تشويها للتاريخ والهوية الوطنية”.
وبشأن الاعتداءات الإسرائيلية ضد سوريا تحت ذريعة “حماية الدروز”، قال جنبلاط “أخشى من هذا الوحش الصهيوني الذي يهدد المنطقة كل يوم”.
ورغم أن الإدارة السورية الجديدة القائمة منذ أواخر ديسمبر/كانون الأول 2024 لم تشكل أي تهديد لتل أبيب، توغل الجيش الإسرائيلي مرارا داخل أراضي سوريا وشن غارات جوية قتلت مدنيين ودمرت مواقع وآليات عسكرية وأسلحة وذخائر تابعة للجيش.
ومنذ 1967 تحتل إسرائيل معظم مساحة هضبة الجولان السورية، واستغلت أحداث الإطاحة بالرئيس بشار الأسد أواخر 2024 ووسعت رقعة احتلالها، وأعلنت انهيار اتفاقية فض الاشتباك بين الجانبين عام 1974.
وفيما يخص العلاقات بين بيروت ودمشق، دعا جنبلاط، إلى تطبيع العلاقات بين البلدين قائلا إنه “لا بد من علاقات طبيعية من دولة إلى دولة، بين سوريا ولبنان”.
ولفت جنبلاط، إلى أن “رواسب النظام السابق ما زالت موجودة في سوريا ولبنان، وتشكل خطرا على الأمن المشترك” مضيفا “معتقلو الثورة السورية في لبنان يحتاجون لتسوية قضائية وتفعيل القضاء اللبناني”.
ويبلغ عدد السجناء السوريين في لبنان نحو 2000 شخص، عدد كبير منهم لا يزال قيد الاحتجاز على خلفية دعمهم للثورة السورية (2011 – 2024)، أو مشاركتهم في إيصال مساعدات أو دعم لوجستي لفصائل معارضة قاتلت نظام المخلوع بشار الأسد.
وكان جنبلاط من بين السياسيين اللبنانيين والعرب القليلين الذين زاروا دمشق أياما قليلة بعد سقوط النظام السوري السابق حيث التقى حينها الرئيس السوري الحالي احمد الشرع.
وذكر عن تفاصيل سماعه بسقوط نظام الأسد قائلا “كنت في باريس، وعندما علمت بسقوط النظام (السوري) اتصلت بسعد الحريري (زعيم تيار المستقبل بلبنان) وقلت له الله أكبر”.
وبسطت فصائل سورية في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، سيطرتها على البلاد، منهية 61 عاما من حزب البعث الدموي، و53 سنة من سيطرة أسرة الأسد.
الى ذلك أصدر القضاء الفرنسي للمرة الثالثة مذكرة توقيف بحق رئيس النظام السوري السابق بشار الأسد، بتهم تتعلق بارتكاب جرائم ضد الإنسانية والمشاركة في جرائم حرب.
وعلى الرغم من استحالة اعتقال الأسد الذي يتمتع باللجوء في روسيا، إلا أن مذكرات التوقيف بحقه تشجع على ملاحقة المزيد من المتورطين في الجرائم ضد السوريين في الدول الأوروبية الأخرى، حيث تفتح الباب على مصراعيه لمحاكمتهم.
وصدرت بطاقة الاعتقال الجديدة في قضية الهجمات الكيماوية التي شنها النظام في منطقة الغوطة الشرقية عام 2013، والتي راح ضحيتها أكثر من 1400 مدني.
واتهم القضاء الفرنسي الأسد بالتورط في هذه الهجمات التي استخدمت فيها أسلحة محرمة دوليا ضد المدنيين. وصدر القرار عن قضاة المحكمة المحلية في باريس، ليكون الثالث من نوعه بحق الرئيس السابق، وذلك بعد حكم محكمة النقض الفرنسية في 25 يوليو/تموز الماضي، الذي ألغى المذكرة الأولى الصادرة بحقه.
وجاءت المذكرة الجديدة تأكيدا لإصرار باريس على متابعة التحقيقات في هذه القضية رغم التعقيدات القانونية المرتبطة بالحصانة التي يتمتع بها رؤساء الدول.
وبحسب تقرير صادر عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فإن النظام المخلوع نفذ 217 هجوما كيماويا منذ اندلاع الحرب في البلاد عام 2011، استهدف معظمها مناطق كانت تحت سيطرة المعارضة، مما أسفر عن مقتل وإصابة آلاف المدنيين.
وفي العام 2021، فتحت محكمة باريس تحقيقا بالهجمات الكيماوية في الغوطة الشرقية عام 2013، بناء على شكوى تقدم بها المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، ومبادرة عدلة المجتمع المفتوح والأرشيف السوري، وهي منظمات تعمل على توثيق انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا.
وفي 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 أصدرت المحكمة أول مذكرة توقيف بحق الأسد، متهمة إياه بالمشاركة في جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب تتعلق باستخدام الأسلحة الكيماوية في الغوطة.
ثم أصدرت المحكمة المذكرة الثانية في 20 يناير/كانون الثاني من العام الجاري بالتهم ذاتها، لكن محكمة النقض الفرنسية ألغت في 25 يوليو/تموز المذكرة الأولى، معتبرة أن رؤساء الدول يتمتعون بحصانة حتى في حالات الاشتباه بارتكابهم جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، ما أثار جدلا واسعا بين القانونيين ومنظمات حقوقية اعتبرت القرار تراجعا عن العدالة الدولية.
وقررت قوات الأمن العام في سوريا التراجع عن تنفيذ عملية أمنية واسعة كانت تستهدف اقتحام مخيم الغرباء في ريف إدلب والقبض على مجموعة من المهاجرين الفرنسيين، إثر تدخل مباشر من قادة ومقاتلين أوزبك وآخرين من جمهوريات آسيا الوسطى. هذه الحادثة سلطت الضوء مجدداً على مدى النفوذ الذي بات يتمتع به المقاتلون الأجانب في مناطق الشمال السوري، رغم محاولات القيادات المحلية تحجيم دورهم تحت ضغط غربي متزايد.
وأفاد المرصد السوري لحقوق الانسان بأن وحدات الأمن العام كانت قد استنفرت بكامل قواها قرب مدينة حارم، بالتزامن مع تحركات في محيط جسر الشغور وكفريا والفوعة، استعداداً لمداهمة مخيم الغرباء الذي يضم عشرات المهاجرين الفرنسيين وعائلاتهم.
إلا أن وساطة قادها مقاتلون أوزبك وعدد من القادة الأجانب المنضوين ضمن فصائل شمال إدلب حالت دون تنفيذ العملية، بعد تهديدات ضمنية باندلاع مواجهات واسعة إذا أقدمت القوات على الاقتحام. وتحدثت مصادر عن انتشار كثيف للمسلحين الأجانب في محيط المنطقة خلال ساعات الليل، ما اضطر قوات الأمن إلى التراجع تفادياً لمعارك دموية.
ويخضع المخيم الذي كان هدفاً للعملية لسيطرة الفرنسي من أصل سنغالي عمر ديابي المعروف باسم “عمر أومسين”، وهو قائد كتيبة الغرباء التي تضم في صفوفها مقاتلين فرنسيين وأفارقة من أصول مغاربية.
ويُتهم ديابي بإدارة المخيم كمنطقة مغلقة خارج سلطة الحكومة السورية والهيئات القضائية، وبتطبيق أحكامه الخاصة على السكان، في ظل اتهامات متزايدة له بارتكاب انتهاكات بحق النساء داخل المخيم وفق ما أكده المرصد السوري.
بداية التوتر جاءت بعد هروب امرأة تُدعى سارة من المخيم بمساعدة أخرى، ما دفع ديابي إلى معاقبة الأخيرة بجلدها علناً أمام أسرتها. لاحقاً، اتُهم أحد معاونيه الملقب بـ”أبو إبراهيم الفرنسي” بخطف ابنة سارة بالتعاون مع “بو هاجر التونسي”، في محاولة لتهريب الطفلة عبر معبر باب الهوى نحو الأراضي التركية، وفق ما أورده “المرصد السوري لحقوق الإنسان”.
وفي المقابل، أكد العميد غسان باكير، قائد الأمن الداخلي في محافظة إدلب، أن العملية الأمنية كانت “استجابة لشكاوى الأهالي في مخيم الفردان المجاور” الذين طالبوا بوضع حد لما وصفوه بانتهاكات خطيرة تمارسها مجموعات مسلحة أجنبية بحق المدنيين، موضحاً أن الهدف من الاقتحام كان تحرير فتاة مخطوفة وليس مواجهة المهاجرين ككل.
غير أن الميدان اتجه بسرعة إلى التصعيد، إذ وقعت اشتباكات متقطعة أثناء محاولة القوات التقدم، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى من الجانبين، قبل أن تتدخل أطراف أجنبية لوقف النار.
التطور الأكثر دلالة تمثل في الدور الذي لعبه المقاتلون الأوزبك في تهدئة الموقف. هؤلاء الذين ينتمون إلى فصائل ذات طابع جهادي متشدد في ريف إدلب الشمالي، يمتلكون ثقلاً عسكرياً وشبكات دعم قوية، مكّنتهم من فرض وساطتهم على الجانبين.
وبحسب مصادر ميدانية، فإن مفاوضين أوزبك نقلوا مطالب ديابي إلى قادة الأمن العام، في حين تولوا تأمين ممرات لخروج بعض العائلات من المخيم أثناء وقف إطلاق النار.
واعتبر هذا الدور الوسيط مؤشراً على تغلغل المقاتلين الأجانب في مفاصل القرار الميداني، وقدرتهم على تعطيل أو تمرير العمليات الأمنية وفق مصالحهم.
وفي خضم التوتر، أصدرت كتيبة الغرباء بياناً اتهمت فيه الحكومة السورية المؤقتة بتنفيذ “خطة دولية لتصفية المهاجرين الأجانب” بالتنسيق مع التحالف الدولي، وخصت بالذكر فرنسا والولايات المتحدة. البيان اعتبر أن “استهداف المهاجرين الفرنسيين هو بداية حملة منظمة لإنهاء وجود المقاتلين الأجانب في الشمال السوري”.
وتزامن ذلك مع تحليق طائرات مسيّرة فوق المخيم وعودة الهدوء النسبي صباح الثلاثاء، وسط مخاوف بين نساء وأطفال المهاجرين الذين أمضوا ليلة قاسية تحت نيران الاشتباكات.
وسياسياً، تعكس الحادثة المأزق الذي تواجهه القيادات السورية في التعامل مع ملف المقاتلين الأجانب. فبحسب محللين، يتعرض الرئيس السوري احمد الشرع، بضغط من أطراف غربية، إلى صعوبات حقيقية في إقناع الفصائل المحلية بتقليص نفوذ المقاتلين القادمين من الخارج.
ويرى مراقبون أن استمرار هؤلاء في فرض كلمتهم ميدانياً – كما حدث في مخيم الغرباء – يعني أن أي خطة لتحجيمهم ستصطدم بحائط من الولاءات العابرة للحدود، خصوصاً في ظل الدعم الذي يتلقونه من جماعات في آسيا الوسطى.
ورغم الهدوء الحذر الذي عاد نسبياً إلى المنطقة، إلا أن مخيم الغرباء ما يزال يعيش حالة توتر وترقب. السكان المحليون يخشون من عودة المواجهات في أي لحظة، خصوصاً أن القوات الأمنية لم تغلق ملف المخيم بعد، فيما يستمر ديابي ومقاتلوه في فرض سيطرتهم الكاملة على داخله.
ويحذر ناشطون حقوقيون من أن ترك المخيم على هذا الوضع قد يحوله إلى منطقة خارجة عن السيطرة بشكل دائم، بما يشبه “جيباً جهادياً” على مقربة من الحدود التركية، في وقت يسعى فيه المجتمع الدولي إلى تفكيك آخر الجيوب التي تؤوي المقاتلين الأجانب في سوريا.




