ابن الشعب الحاكم | رقية أبو الكرم

هيئة التحرير7 أكتوبر 2025آخر تحديث :
ابن الشعب الحاكم | رقية أبو الكرم

كانت الأنوار الضئيلة المعلقة في السقف تنير المكان بشكل نسبي، توحي للداخل إلى باحة الصالة بالهدوء والرقي، الطمأنينة والاسترخاء النفسي، البهجة الساكنة في النفس؛ كل تلك الخلجات انتابتني حين دخلتُ المقهى، لحضور سهرة جمعتني مع صويحباتي اللواتي تشكلن من كل عرق ودين، وجئن من بقاع الوطن المختلفة، لم تجمعنا سوى الفرحة والمزحة، ولم يفرقنا سوى الوقت المتأخر ليلًا.

بعد أيام من فراق تلك الباقة الجميلة المتلونة، بت أسأل نفسي؛ “إذا كنا نجتمع على محبة ونفترق على سلام، ونحن أفراد، فلمَ الفرقة إذًا في تمثيل الأمة والشعب؟”، أصبحنا كالصورة الكاريكاتورية، التي تمثل خصمين متصافحين من تحت الطاولة، ومن فوقها يوجه كلٌ منهما نحو الآخر فوهة مسدسه.

أول عبارة ننطق بها حين يلتم شملنا “إننا عراقيون”، لا يفرقنا دين أو مذهب، ونتجاهل؛ لمن نحن تابعون؟ ومن نحن ممثلون؟

أصبحنا بوجهين، الأول للدين والوطن، والثاني للضمير والمبدأ. وكل منهما لا يتفق مع الآخر، وأفلتنا رأس الخيط من قبضتنا، فباتت تنطق عنا (الحكومة)، فأين دورنا إذًا؟!

نحن نعيش أمام مشكلة، في تكوين شخصية الفرد العراقي، منذ تولي النظام السابق السلطة، قبل أكثر من نصف قرن، وهو نظام دكتاتوري حكم بسطوته، كما الأب الذي يربي أبناءه على الطاعة بالخوف والوعيد، إذ بقي الابن العراقي البار مطيعًا لأبيه القائد، حتى أصبح الخنوع من طباعه، والخوف ديدنه باللاشعور.

 

انهارت الدكتاتورية أمام الديمقراطية، تحت مسميات الحرية، وانفلت الأبناء من قبضة أبيهم، وأصبحوا كالطير الأعمى يتخبط أينما حل أو طار، لا يستكين في مكان، وليس له وجهة. وقاد الأسرة من كان في الأسر، ليس مهمًا أن يكون ذو قدرة وحكمة قيادية، لدولة مكونة من عدة مكونات مجتمعية حساسة؛ دينية وقومية، إنما كان الهم الأكبر، أن يتولى زمام الحكم ليحكم.

من بوادر الديمقراطية التي منحت بعد انهيار الدكتاتورية، أن يمسك الشعب بمسوّدة الدستور، ويطالب بحقه، مستعينًا بمبدأ الشفافية والحرية والمواطنة، وهذا شيء يبشّر بشعب ذي وعي سياسي ومطالب جوهرية، يخيف بمطالبه الحكام من خلال حقه الذي سَنه الدستور وشرعه القانون، ليهز بالقانون عروشهم.

من الجانب الآخر، يسجل المواطن المُطالب بالديمقراطية والحرية والعدالة والمساواة، في بداية نهاره، مخالفة مرورية في أبسط أمور السلامة، ويلقي عبر نافذة سيارته علبة عصير فارغة على قارعة الطريق، ويندد بمطالبه للحكومة، لتنظيم حركة المرور والازدحام والنظافة العامة. وفي أوقات الفراغ، يملأ الفراغ على صفحات التواصل الاجتماعي، باستهزائه ونعته للبرلمانيين، وفي أواخر الليل يغلبه النعاس لينام ويصبح على ما نام عليه.

قضايا الفساد في الحكومة والبرلمان والمطالبة بإصلاحها، تبقى حقًا مرهونًا بين واقع وخيال المواطن، الذي يفتقد منهجية المطالبة بحقوقه، وحقوق المجتمع عليه، فكما للوالدين حق على الابن، فللابن حق على والديه. وإذا كان فساد الحكومة مَفسدة للشعب، فماذا عن فساد المواطن ومفسدته للمجتمع؟

نحن أمام مشكلة أكبر من تقبل دين لدين، ومجموعة تمثل قومية، ومَطالب الجماهير وحقوق كفلها الدستور… المشكلة تكمن في المواطن ذاته الذي أنتج البرلماني والحاكم، اللذين يحكمان بالفساد أو الصلاح.

عاجل !!