إضاءة على النزاعات في المناطق الحدودية
في آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا، تستمر النزاعات ويسود اللااستقرار في المناطق الحدودية المتنازَع عليها حيث تتفاعل التوترات المحلية مع الديناميكيات الإقليمية والعالمية. وفي هذا الصدد، تعمل مؤسسة آسيا ومعهد الأخدود العظيم ومركز كارنيغي للشرق الأوسط معاً من أجل تحقيق فهم أفضل لأسباب النزاعات في هذه المناطق الحدودية وتأثيراتها وأبعادها الدولية، ودعم اعتماد أساليب أكثر فاعلية لصنع السياسات وبرمجة التنمية، وبناء قدرات الشركاء المحليين من أجل تفعيل البحوث الآيلة إلى الدفع نحو التغيير السلمي.
أدّى إغلاق الحدود بين المغرب والجزائر إلى عرقلة أنشطة التهريب في الجهة الشرقية للمملكة. فقد سعت السلطات المغربية منذ ذلك الحين إلى تطوير البنية التحتية المحلية واستحداث فرص عمل بديلة هناك. ومع أن هذه المبادرات حافظت على الاستقرار في تلك المنطقة، لا تزال التحديات الناجمة عن تغيّر المناخ قائمة، ولا سيما ندرة المياه، ما يؤكّد على ضرورة أن يعمَد المغرب إلى دمج استراتيجيات التكيّف مع تغيّر المناخ بشكل أكبر في إطار خططه التنموية المحلية والإقليمية، وأن يحرص في الوقت نفسه على تبنّي النُظم الاجتماعية الاقتصادية المتوارثة جيلًا بعد جيل والحفاظ عليها في أوساط أبناء المجتمع المحلي.
محاور أساسية
اعتمد أبناء المجتمعات المحلية في الجهة الشرقية من المغرب، المتاخمة للحدود مع الجزائر والمُهمَلة منذ فترة طويلة، على التهريب من أجل تأمين سُبل العيش.
يُعزى السبب الأساسي للتشدّد في ضبط أمن الحدود منذ العام 1994، وخصوصًا في العام 2015، إلى المنافسات والتوترات الجيوسياسية بين الجزائر والمغرب، ما دفع المملكة إلى التركيز على التعاون مع دول أفريقية أخرى.
خلال السنوات القليلة الماضية، تأثّر المغرب بشكلٍ كبير بانخفاض معدّلات هطول الأمطار، وهذا المنحى تشهده بوضوح منطقة شمال أفريقيا ككل. ويطرح هذا الوضع تحدّيًا كبيرًا، نظرًا إلى الدور الحيوي الذي يؤدّيه القطاع الزراعي في تحقيق ازدهار الاقتصاد واستحداث فرص العمل.
ألحق تغيّر المناخ، ولا سيما ندرة المياه، أضرارًا كبيرة بالجهة الشرقية، التي تعاني أساسًا من مناخٍ جاف وشبه جاف، ما زاد من تعقيد استراتيجيات التكيّف التي طُبّقت عقب إغلاق الحدود.
أحدث التشدّد في ضبط أمن الحدود وإغلاقها في نهاية المطاف تحوّلًا في النسيج الاجتماعي الاقتصادي للجهة الشرقية من المغرب، وزاد مشاعر الاستياء. دفع هذا الوضع السلطات إلى تطوير البنية التحتية في المنطقة – أي شبكة النقل ومراكز الرعاية الصحية وإمدادات الكهرباء – وتوفير فرص عمل بديلة لسكان المناطق الحدودية من خلال المشاريع الصناعية والتعاونيات المجتمعية.
دفع غياب التعاون بين الجزائر والمغرب حول إدارة الموارد الرباط إلى إطلاق مبادرات ذات نطاق وطني، وإلى التنسيق أيضًا مع دول أفريقيا جنوب الصحراء لتعزيز الروابط الإقليمية. وتحظى هذه الجهود بدعم هيئاتٍ دولية ومنظمات غير حكومية.
اتّبع المغرب نهجًا استباقيًا لمعالجة تداعيات تغيّر المناخ والتخفيف من حدّته، بحيث وضع عددًا من الاستراتيجيات التي تركّز على قطاعات محدّدة، فضلًا عن خطط وطنية للتكيّف معه في قطاعات رئيسة مثل الزراعة، وإدارة المياه. يجب أن ترتكز خطط التنمية الجهوية والمحلية في المستقبل بشكل كامل على هذه الاستراتيجيات، مع مراعاة خصائص النُظم الاجتماعية والاقتصادية والإيكولوجية للجهة الشرقية.
يجب تعزيز عمل التعاونيات القائمة في الجهة الشرقية، التي اكتسبت زخمًا متزايدًا، من حيث هيكلها التنظيمي وبناء قدراتها. في غضون ذلك، يجب الاستفادة من المعارف المحلية المتوارثة أبًا عن جدّ، على غرار نظام “الخطّارة” للري وإدارة الموارد المائية، باعتبارها تقدّم حلولًا محلية مُبتكرة تستكمل المبادرات الواسعة النطاق مثل تحلية مياه البحر.
على مدى السنوات الأخيرة، هدّد عاملان مختلفان للغاية النسيجَ الاجتماعي الاقتصادي للجهة الشرقية من المغرب، وهي منطقة ريفية وزراعية على الحدود مع الجزائر، جرى تهميشها لفترة طويلة. فمن جهة، حدّت الإجراءات الأمنية الحدودية الصارمة التي اتّخذها كلٌّ من المغرب والجزائر بشكلٍ كبير من أنشطة التهريب التي اعتمد عليها الكثير من المغاربة في الشرق لتأمين سُبل العيش. ومن جهة أخرى، أسفرت التداعيات الناجمة عن تغيّر المناخ، والتي تتزايد حدّتها باطّراد، عن ندرة المياه، وهي موردٌ لا غنى عنه للإنتاج الزراعي. لذا، خشيت السلطات المغربية من أن تتسبّب عسكرة الحدود والتقلّبات الناجمة عن تغيّر المناخ في هذه المنطقة النائية التي كانت مُهملة تاريخيًا ومُعرّضة لانعدام الاستقرار، بإشعال جذوة الاضطرابات الاجتماعية، وتسريع وتيرة الهجرة من الريف، وإلقاء أعباء هائلة على كاهل المدن التي يتدفّق إليها النازحون.
وقد استجابت السلطات، المحلية والمركزية على السواء، لهذَين التحديَين من خلال تكثيف حملتَين كانتا قيد التنفيذ بالفعل. انصبّ المجهود الأول على تطوير البنية التحتية في المنطقة وتوسيع نطاقها، فضلًا عن توفير الخدمات الأساسية لسكانها. وشمل ذلك مبادرات محدّدة لمكافحة ندرة المياه، مثل بناء السدود وإنشاء محطاتٍ لتحلية المياه، إضافةً إلى تشجيع المزارعين على الحدّ من إنتاج المحاصيل التي تتطلّب إمدادات كبيرة من المياه واستبدالها بأشجار الزيتون واللوز التي تحتاج إلى ريٍّ أقل. وتمثّلت الحملة الثانية في تيسير عمل التعاونيات المجتمعية وتوسيع نطاقه. ويُشار بذلك إلى الجمعيات التعاونية التي تسعى إلى تشجيع الزراعة على نطاق صغير وغيرها من الأنشطة الزراعية، غالبًا بإشراك النساء والشباب.
أما على صعيد السياسة الخارجية، فقد شرعت الرباط في مساعٍ تهدف إلى توطيد علاقاتها مع دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، انطلاقًا من فكرة أن البلدان النامية تواجه تحديات مشتركة. وقد بدأت هذه الاستراتيجية بإحداث تأثيرات إيجابية في مناطق تعاني تاريخيًا من الحرمان، ومن ضمنها الجهة الشرقية والمناطق المحاذية للحدود. وعلى وجه الخصوص، بدأ التعاون اللامركزي يكتسب زخمًا، من خلال إطلاق خططٍ مختلفة لتحقيق التنمية المستدامة في شرق المغرب وفي الدول المجاورة. ويمكن توقّع المزيد من هذه المبادرات في المستقبل.
المناطق الحدودية الشرقية للمغرب مهمّشة اقتصاديًا
جرى ترسيم الحدود بين المغرب والجزائر خلال فترة الاستعمار الفرنسي. وقد نال المغرب استقلاله عن فرنسا في العام 1956 وحصلت الجزائر على استقلالها في العام 1962. نشب بعد الاستقلال نزاعان بين الدولتَين – حرب الرمال في العام 1963 وصراع الصحراء الغربية في العام 1975 – وتلتهما توتّرات متنامية بلغت ذروتها بإغلاق المعابر الحدودية بين المغرب والجزائر في العام 1994. بغضّ النظر عن المعابر الحدودية، بقيت الحدود سهلة الاختراق، ما أتاح استمرار سكّان هذه المناطق في التفاعل مع بعضهم البعض، إذ تجمع بين الكثير منهم صلات قربى وعلاقات تجارية. لم يتغيّر هذا الوضع إلّا خلال العقد السابق، حين تسبّب تشييد جدارٍ عازلٍ وسياج على الحدود بفصل المغاربة الشرقيين عن الجزائريين الغربيين بشكلٍ كبير.
في العام 2013، عمَدت السلطات الجزائرية، في محاولة للحدّ من تهريب الوقود إلى المغرب، إلى حفر خندق على طول 170 كيلومترًا على الشريط الحدودي، يمتدّ الجزء الأكبر منه في إقليم تلمسان.1 وفي العام التالي، أقدمت الجزائر والمغرب على بناء سياجٍ وحفر خندق على طول أجزاء من الحدود.2 وفي العام 2015، شرعت الجزائر في توسيع الخندق الفاصل وتعميقه لجعل الانتقال عبر الحدود أصعب.3 وبعد ذلك بعام، أضافت السلطات المغربية أسلاكًا شائكة وأنظمة مراقبة إلكترونية وجدارًا مدعّمًا عند جزءٍ من الحدود، ووسّعت أيضًا السياج ليصل إلى بلدة فجيج، لمسافة أبعد على طول الحدود الدولية.4 وفي العام 2022، أعلنت الرباط أنها تعتزم إنشاء منطقة عسكرية مُغلقة على كامل الحدود الفاصلة بين المغرب والجزائر البالغ طولها 1559 كيلومترًا.
نادرًا ما يتم توضيح الدوافع وراء اتّخاذ مثل هذه الخطوات بشكل كامل، لكن المسؤولين يعبّرون في الكثير من الأحيان عن مخاوف عامة تتعلّق بزعزعة استقرار البلاد، بما فيها التهديدات العابرة للحدود الوطنية مثل الإرهاب والهجرة غير الشرعية والتهريب.6 فعلى سبيل المثال، أشار سفير المغرب لدى الأمم المتحدة عمر هلال، خلال الحديث عن الإجراءات التي كانت تتّخذها بلاده على حدودها في العام 2016، إلى أن السلطات المغربية “تقدّم تضحيات كبيرة على مستوى الوسائل والموارد البشرية لمكافحة الشبكات الإجرامية لتهريب وترويج المخدرات بجميع أنواعها”، مضيفًا أن “الهدف يكمن أيضًا في تأمين مراقبة حدود وسواحل المملكة”.
كانت الإشارة إلى التهريب مهمّة على وجه الخصوص. فالاقتصادات غير الرسمية، ولا سيما في المناطق الحدودية، تشكّل في الكثير من الأحيان عاملًا مساهمًا في استقرار المناطق البعيدة جغرافيًا وماديًا عن الدولة المركزية واستثماراتها، والمُفتقرة إلى البنى التحتية. وينطبق هذا الوضع بشكلٍ كبير على المغرب. لقد قدّر تقريرٌ صدر في العام 2004 عن غرفة التجارة والصناعة والخدمات لجهة الشرق أن القطاع الاقتصادي غير الرسمي ساهم بما يعادل 590 مليون دولار في السنة تقريبًا. يحتلّ الوقود، الذي يصل معظمه من الجزائر حيث تدعمه الحكومة، حصة الأسد من السلع المهرّبة، وتصل كمياته إلى 527 ألف ليتر يوميًا.8 ونظرًا إلى أن معدّل البطالة في الجهة الشرقية لطالما كان مرتفعًا بشكل غير متكافئ – إذ بلغ 19.6 في المئة مقارنةً مع المعدّل الوطني البالغ 13 في المئة – ساعد التهريب على إعالة آلاف الأسر.
تُعدّ الجهة الشرقية إحدى جهات المغرب الاثنتي عشرة بحسب التقسيم الرسمي، وهي تقع بعيدًا عن المراكز الاقتصادية الحضرية للبلاد، أي الدار البيضاء-سطات، وطنجة-تطوان-الحسيمة، والرباط-سلا-القنيطرة. وشكّلت هذه التجمعات معًا نسبة 58 في المئة من ثروة البلاد في العام 2019، مقارنةً مع الجهة الشرقية التي ساهمت بنسبة 5.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.10 وعلى ضوء هذه الفوارق وغيرها، إضافةً إلى البُعد الجغرافي، قبعت الجهة الشرقية لفترة طويلة على هامش الحياة الاقتصادية المغربية. وفاقم التشدّد في ضبط أمن الحدود بعد العام 1994 من تهميش هذه الجهة الطَرفية، وعلى وجه الخصوص مع تشييد الجدران والأسياج خلال العقد الماضي، الأمر الذي حدّ من التواصل عبر الحدود، بما في ذلك التهريب.
وفي ظلّ هذه الإجراءات، تزامن هذا التشدّد في ضبط أمن الحدود مع تنامي مشاعر الاستياء في أوساط سكان أقاليم عدّة في الجهة الشرقية من المغرب. ففي العام 2017، أدّى مقتل مهرّبٍ رميًا بالرصاص أثناء عبوره الحدود المُغلقة إلى احتجاجات عارمة في شوارع مسقط رأسه بني درار، حيث أقفل السكان الغاضبون الطرقات وألحقوا الضرر بالممتلكات والسيارات.11 وبين العام 2016 ومنتصف العام 2017، اندلعت احتجاجات في منطقة الريف، في إطار ما عُرف بالحراك، وهو حركة احتجاجية انتشرت على مستوى البلاد، وطالت إقليم جرادة في العام 2018.12 وعلى الرغم من أن الاحتجاجات في جرادة والريف اندلعت في السياقات التاريخية والمحلية الخاصة بكلّ منهما، إلّا أنها تمحورت حول ثلاثة مطالب رئيسة هي: تحسين الظروف الاجتماعية الاقتصادية؛ وتأمين البنى التحتية الأساسية؛ وتعزيز التوظيف ولا سيما الشباب. وقد سلّط هذا الضوء على التظلّمات المشتركة التي يعاني منها سكان الأقاليم الشرقية في المغرب.
علاوةً على ذلك، أربكت هذه الأحداث الحكومة ودفعتها إلى تكريس جهود إضافية من أجل التخفيف من محنة الشرق. وفي محاولةٍ للحفاظ على الاستقرار في هذا الجزء المضطرب على نحو متزايد من البلاد، لجأت الرباط، وكذلك السلطات الجهوية، إلى تكثيف جهودها في تطبيق استراتيجية كانت انطلقت في العام 2003، وبدأ تنفيذها بصورة أكثر انضباطًا عقب الآثار السلبية التي خلّفها تشديد القبضة الأمنية على الحدود بين العامَين 2013 و2016. وشملت هذه الاستراتيجية توفير الخدمات الأساسية، وفتح المدارس ومراكز الرعاية الصحية، وتأمين فرص عملٍ بديلةٍ للسكان المحليين، ورفع قدرات البنية التحتية في المنطقة. إضافةً إلى ذلك، تم ربط المزيد من المناطق الحدودية بالشبكة الوطنية للكهرباء، ناهيك عن توفير القدرة على الوصول إلى المياه الصالحة للشرب وخدمات الصرف الصحي.13 وفي جرادة، أعلنت الحكومة، عقب احتجاجات 2017-2018، عن إطلاق 108 مشاريع في مجالات المياه والكهرباء والتعليم للفترة ما بين 2018 و2023، وبتكلفةٍ إجمالية بلغت 50 مليون دولار أميركي تقريبًا.
أما عملية تأمين فرص عملٍ بديلةٍ فمالت إلى اتّباع شكلَين. تمثّل الأول في مساعدة السكان المحليين على تأسيس مؤسسات صغيرة أو إحياء مؤسساتهم القديمة، والثاني في بناء مراكز تجمّع البنية التحتية، على غرار القطب التكنولوجي والقطب الفلاحي، من أجل تمكين دمج الشركات المعنية. (يشمل القطب التكنولوجي مجالَي التكنولوجيا والصناعة، في حين يضمّ القطب الفلاحي الأنشطة الزراعية).15 بموازاة ذلك، ارتكزت الخطط الرامية إلى إرساء الاستقرار الاقتصادي في الجهة الشرقية في الكثير من الأحيان على استغلال طاقتها في مجال البنية التحتية. وتبقى المشاريع الضخمة، كمجمع ميناء الناظور غرب المتوسط، وهو ميناء شحن بحري قيد الإنشاء في شمال شرق المغرب، ضروريةً لدمج هذه المنطقة بسائر البلاد، وجذب الاستثمارات الأجنبية وتعزيز التوظيف.
وعلى الرغم من أن سكان المناطق الحدودية استفادوا من تأثير إيجابي غير متوقّع للاحتجاجات في جرادة والريف، بحيث دفعوا الحكومة إلى إطلاق مشاريع تنموية في الجهة الشرقية ككل، بدا واضحًا أن مناطقها الريفية تتطلّب اهتمامًا خاصًا. وعُزي سبب ذلك إلى ظاهرة غير مرتبطة بالتشدّد في ضبط أمن الحدود، ألا وهي: تغيّر المناخ. لا شكّ في أن الأراضي المغربية كلّها تتأثّر على نحو متزايد بتداعيات تغيّر مناخ كوكب الأرض، مع حصول اضطرابات نتيجة ارتفاع منسوب مياه البحر على طول الساحل الشمالي وعدم انتظام هطول الأمطار في شرق البلاد وجنوبها. لكن المشكلة في مناطق الشرق الريفية أكثر حدّة، حيث يكسب معظم السكان رزقهم من زراعة الكفاف. ويكمن الخطر في أنّ التشدّد في ضبط أمن الحدود وتغيُّر المناخ سيؤديان مجتمعَين إلى إحداث تحوّل دائم في الجهة، لكن نحو الأسوأ.
مواجهة تداعيات تغيّر المناخ في المغرب
يتمثّل التحدّي المناخي الأبرز الذي يواجه المغرب في عدم كفاية هطول الأمطار، ويؤدي إلى ندرة المياه ويُحدث تأثير دومينو من شأنه أن يقلب جميع أشكال النشاط الزراعي رأسًا على عقب، ومع مرور الوقت يهدّد نسيج الحياة الاجتماعية. لا شكّ أن ندرة المياه ليست ظاهرة جديدة. ففي ثمانينيات القرن الماضي، كان هطول الأمطار في شرق المغرب محدودًا للغاية لدرجة دفعت المكتب الجهوي للتنمية الفلاحية، وهو الهيئة الحكومية المسؤولة عن تنمية القطاع الزراعي وتوفير التدريب المهني للمزارعين، إلى إعلان حالة الجفاف. مع ذلك، قد تكون المشكلة تتفاقم.17 ففي العام 2023، أعلنت المديرية العامة للأرصاد الجوية عن انخفاض معدّل هطول الأمطار بنسبة 48 في المئة، ما جعله العام الأكثر جفافًا في ثمانية عقود.18 وخلال الصيف التالي، أفادت وسائل إعلام وطنية عن تراجع خطير في منسوب مياه السدود المغربية.19 وقد عانى سكان البلاد – بما فيها المدن الرئيسة كالدار البيضاء وطنجة – من انقطاع المياه والإغلاق المتكرر للحمامات العامة.
وقد وضعت الرباط خططًا عدّة للتخفيف من حدّة تغيّر المناخ. ولم تمر جهودها مرور الكرام. فعلى سبيل المثال، احتلّ المغرب المركز التاسع في مؤشر الأداء المناخي، وهي أداة رصد موحدة مستقلة تستخدمها منظمة “جيرمان ووتش” (Germanwatch) الألمانية غير الحكومية لتقييم أداء الدول في مجال التخفيف من حدّة تداعيات تغيّر المناخ.21 أما في ما يتعلّق بندرة المياه على وجه الخصوص، فلا بدّ من تسليط الضوء على مبادرتَين. سعى مخطط المغرب الأخضر بين العامَين 2005 و2019 إلى تعزيز تنافسية القطاع الزراعي في المناطق الهشّة من خلال تحفيز المزارعين على زراعة المحاصيل المقاومة للجفاف، واعتماد عمليات تناوب المحاصيل، واستخدام تقنيات الريّ التي تستهلك كميات أقل من المياه.22 وتستكمل “استراتيجية الجيل الأخضر”، التي أُطلقت في العام 2020 ويُفترض أن تستمر حتى العام 2030، أهداف المخطط في تعزيز تنافسية القطاع الزراعي، مع التركيز على التنمية البشرية من خلال تعزيز الإنتاج الزراعي المحلي وتنويع فرص العمل في القطاع الزراعي.




