إسرائيل تضغط سياسيا لاحتواء خطط مصرية للتسلح

هيئة التحرير15 يوليو 2025آخر تحديث :
إسرائيل تضغط سياسيا لاحتواء خطط مصرية للتسلح

مجلة “أيبوك” العبرية تؤكد أن الحكومة الإسرائيلية حذرت من الدعم التكنولوجي المتزايد الذي تتلقاه القاهرة من بكين

التركيز الإسرائيلي ينصب بشكل خاص على برامج تطوير أنظمة الصواريخ المصرية إلى جانب تحديث الدفاعات الجوية بقدرات تكنولوجية قد تقترب في فاعليتها من أنظمة مثل “باتريوت”

تساءل داني دانون السفير الإسرائيلي السابق لدى الأمم المتحدة عن “مبررات تسليح الجيش المصري بهذا الكم من الغواصات والدبابات

رغم الضجة التي أثارتها وسائل الإعلام الإسرائيلية تلتزم القاهرة الصمت تجاه هذه التقارير ولم تصدر أي تصريحات رسمية حول صفقات الدفاع الجوي الأخيرة

القاهرة / النهار

 في ظل تصاعد التوترات الإقليمية والتحولات العسكرية السريعة في الشرق الأوسط، تتابع الأوساط الأمنية والسياسية في إسرائيل بقلق بالغ الجهود التي تبذلها القاهرة لتحديث قدرات جيشها، خاصة في مجال الدفاع الجوي وأنظمة الصواريخ الباليستية. ورغم اتفاقية السلام طويلة الأمد بين البلدين، ترى إسرائيل في التقدم العسكري المصري المحتمل تحدياً لا يمكن تجاهله، قد يعيد رسم موازين القوى في المنطقة، خصوصاً مع انخراط قوى دولية كالصين وإيران في هذا الملف الحساس.

وبحسب تقرير نشره موقع مجلة “أيبوك” السياسية الإسرائيلية، فإن الحكومة الإسرائيلية بدأت بالفعل بإجراء تحركات سياسية لاحتواء ما تعتبره “تعاظماً غير مبرر” في قدرات الجيش المصري. ونقل التقرير عن مصادر أمنية إسرائيلية أن تل أبيب تثير مخاوفها بانتظام في جلسات مغلقة مع مسؤولين كبار في الإدارة الأميركية، محذّرة من الدعم التكنولوجي المتزايد الذي تتلقاه مصر من الصين، وأحياناً من إيران، في مجال أنظمة الدفاع الجوي المتقدمة.

ووفق التقرير، فإن التركيز الإسرائيلي ينصب بشكل خاص على برامج تطوير أنظمة الصواريخ المصرية إلى جانب تحديث الدفاعات الجوية بقدرات تكنولوجية قد تقترب في فاعليتها من أنظمة مثل “باتريوت” أو “إس-400”. وترى إسرائيل أن هذه القدرات قد لا تشكل تهديداً مباشراً في الوقت الراهن، لكنها تُغيّر قواعد اللعبة على المدى الاستراتيجي، وقد تُعقّد قدرة إسرائيل على المناورة أو الردع في حال نشوب أي صراع واسع النطاق في المنطقة.

في السياق ذاته، سلطت مجلة “يسرائيل ديفينس”، التابعة للجيش الإسرائيلي، الضوء على صفقة جديدة أبرمتها القاهرة لشراء نظام الدفاع الجوي الصيني المتطور” HQ-9B،” والمستند إلى تكنولوجيا روسية. ووصفت المجلة الصفقة بأنها “خطوة كبيرة في اتجاه تعزيز قدرة مصر على حماية أجوائها من التهديدات الجوية المحتملة”.

وذكرت المجلة أن هذا النظام، الذي يتميز بمدى بعيد وقدرة على التصدي لصواريخ كروز والطائرات الشبحية، يعزز من قدرة مصر على فرض معادلات ردع جديدة في سماء الشرق الأوسط. وهو ما اعتبره خبراء إسرائيليون تحولاً قد يضع إسرائيل أمام معادلة ردع غير تقليدية، خاصة إذا اقترن بتطوير صواريخ هجومية دقيقة.

وهذا القلق الإسرائيلي ليس جديداً، لكنه بات أكثر وضوحاً في السنوات الأخيرة. ففي تصريح سابق أثار الجدل، تساءل داني دانون، السفير الإسرائيلي السابق لدى الأمم المتحدة، عن “مبررات تسليح الجيش المصري بهذا الكم من الغواصات والدبابات”، مشيراً إلى أن “الكم والنوع يبعثان على الريبة”.

ودانون لم يكتفِ بالتعبير عن القلق، بل طالب الإدارة الأميركية بمراجعة مساعداتها العسكرية للقاهرة، معتبراً أن استمرار تعزيز قدرات الجيش المصري لا يتماشى مع ما وصفه بـ”التوازن العسكري المطلوب في المنطقة”.

ورغم الضجة التي أثارتها وسائل الإعلام الإسرائيلية، تلتزم القاهرة الصمت تجاه هذه التقارير ولم تصدر أي تصريحات رسمية حول صفقات الدفاع الجوي الأخيرة أو الشراكات التقنية مع أطراف خارجية. ويرى مراقبون أن هذا الصمت هو جزء من سياسة مصرية ممنهجة، تقوم على تعزيز القدرات العسكرية دون الدخول في مساجلات إعلامية، خاصة في ظل التحديات الأمنية الكبيرة التي تواجه البلاد داخلياً وعلى حدودها.

وترى مصادر أمنية إسرائيلية أن هذا “الغموض المصري المتعمد” يزيد من حدة القلق في تل أبيب، حيث تتوجس الدوائر الاستخباراتية من أن تكون بعض مشاريع تطوير الصواريخ تجري بالتعاون مع أطراف لا تُرحب بها إسرائيل، في إشارة إلى الصين وإيران.

ورغم أن العلاقات الدبلوماسية والأمنية بين القاهرة وتل أبيب تُعد من أكثر العلاقات استقراراً في المنطقة منذ توقيع معاهدة كامب ديفيد في 1979، إلا أن إسرائيل تنظر إلى مصر بوصفها “قوة نائمة” في حال استفاقت عسكرياً، فقد تتحول إلى لاعب مركزي ينافسها على الزعامة الإقليمية، بل وقد يُعيق حرية تحركها العسكري في بعض السيناريوهات الاستراتيجية.

ومع انخراط إسرائيل في صراعات متعددة مع قوى غير تقليدية، كحزب الله وإيران، فإن تفوقها الجوي والاستخباري ظل هو صمام الأمان الأساسي، لذلك فإن تعزيز دفاعات أي دولة كبرى في الجوار – حتى ولو كانت دولة وقعت معها معاهدة سلام – يُنظر إليه كعامل مُقيد.

ويبدو أن المنطقة تسير نحو مرحلة من إعادة تشكيل توازنات القوى التقليدية. فبينما تحاول الولايات المتحدة الحفاظ على نفوذها بين حلفائها، تنجح قوى مثل الصين في ملء الفراغات من خلال صفقات عسكرية واقتصادية مع دول محورية مثل مصر. هذا التداخل الدولي في الشؤون الدفاعية يعزز من قلق إسرائيل، التي اعتادت أن تكون اللاعب الأبرز في مجال التفوق العسكري.

وفي هذا الإطار، ستبقى العلاقة بين القاهرة وتل أبيب خاضعة لاختبارات متواصلة، لا بفعل الخلافات السياسية، بل بفعل تطور موازين القوة، وارتباطها بصراعات النفوذ داخل الشرق الأوسط، في وقت تبدو فيه التحالفات العسكرية أقل استقراراً من أي وقت مضى.

وعلى صعيد آخر بدأ رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ زيارة رسمية إلى مصر تستمر يومين، يبحث خلالها سبل تعميق الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، في وقت تتطلع فيه القاهرة إلى تعزيز التعاون الاقتصادي مع بكين، مدفوعة برغبتها في إيجاد حلول لأزمتها المالية الخانقة، فيما تنظر واشنطن بقلق إلى تزايد النفوذ الصيني في المنطقة، خاصة الدول التي تعتبرها حليفة تقليدية لها.

وتأتي زيارة لي تشيانغ للقاهرة في أعقاب مشاركته في قمة “بريكس”، التي انعقدت لأول مرة بعد توسيع عضوية التكتل لتشمل 11 دولة، بينها مصر.

ومنذ وصول الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى الحكم في 2014، دخلت العلاقات بين مصر والصين التي بدأت بشكلٍ رسمي عام 1956 بعد اعتراف القاهرة ببكين، مرحلة جديدة، وتم وضع أُسس شراكة استراتيجية شاملة تم الإعلان عنها قبل نحو عشر سنوات.

وشهدت السنوات الأخيرة عدة لقاءات رفيعة المستوى بين البلدين، كان أبرزها زيارة السيسي إلى بكين في مايو/أيار الماضي، حيث شارك أيضًا في منتدى التعاون العربي- الصيني.

وتأتي زيارة لي تشيانغ إلى مصر تلبية لدعوة من رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، بحسب إعلام صيني رسمي. وتناولت قناة “CGTN” الصينية الزيارة تحت عدة عناوين منها “مصر والصين.. شراكة استراتيجية تعيد صياغة مستقبل العلاقات الدولية”.

وأعلن سفين بكين في مصر لياو ليتشيانغ، في تصريحات صحفية أوردتها القناة الأربعاء، أن الزيارة ستشهد تبادل وجهات النظر بشكل معمق مع القادة المصريين حول سبل تطوير العلاقات وتعميق التعاون المتبادل المنفعة والقضايا ذات الاهتمام المشترك.

وأشار إلى تطلع بلاده من خلال هذه الزيارة، إلى العمل مع الجانب المصري من أجل “تكريس الصداقة التاريخية والدفع بالتقدم المستمر للعلاقات نحو هدف إقامة مجتمع المستقبل المشترك نحو العصر الجديد، وبناء مجتمع صيني عربي للمستقبل المشترك على مستوى أعلى”.

وكانت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ، أكدت بحسب تقرير أوردته القناة الصينية أن زيارة رئيس مجلس الدولة لي تشيانغ إلى القاهرة، ستشهد تبادل وجهات النظر مع كبار المسؤولين بشأن سبل تطوير العلاقات الثنائية، وتعميق التعاون، إلى جانب مناقشة قضايا ذات اهتمام مشترك.

وأضافت نينغ أن مصر تُعد “أول دولة عربية وإفريقية” تقيم علاقات دبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية، وأن البلدين “شريكان استراتيجيان شاملان”.

وأشارت إلى أن العلاقات المصرية الصينية “شهدت خلال السنوات الأخيرة تطورًا قويًا، تميز بتعميق الثقة السياسية المتبادلة، وتعاون عملي مثمر في مختلف المجالات، إلى جانب تنسيق وثيق وفعّال في المحافل متعددة الأطراف، وذلك في ظل التوجيه الاستراتيجي للرئيسين شي جين بينغ وعبد الفتاح السيسي”.

ولاقت الزيارة اهتماما إعلاميا مصريا، وسلطت قناة القاهرة الإخبارية الضوء على تلك الزيارة ونقلت  عن وانغ غوانغدا، أمين عام مركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية، قوله إن الصين ومصر تلعبان “دورًا متزايد الأهمية في الحفاظ على السلم العالمي وتعزيز العدالة الدولية، لا سيما في ظل تفاقم الأزمات الجيوسياسية”.

وأضاف أن البلدين بحاجة، أكثر من أي وقت مضى، إلى مواصلة تعزيز الدعم المتبادل وتوسيع آفاق التعاون، مشيرا إلى أن انضمام مصر أخيرًا إلى كل من منظمة شنغهاي للتعاون وتكتل “بريكس” في 2024 يُعد خطوة مهمة “عززت مكانة القاهرة على الساحة الدولية، وأسهمت في رفع صوت دول الجنوب العالمي”.

ولفت إلى أن “تعميق الثقة السياسية بين القاهرة وبكين وتكثيف التعاون في مختلف المجالات أفضى إلى نتائج ملموسة تخدم مصالح البلدين”، فيما ترى وانغ شياو يو، نائبة مدير مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة فودان الصينية، أن زيارة لي تشيانغ خطوة بارزة في إطار الدبلوماسية الصينية الجديدة في المنطقة، وتُظهر الاهتمام الصيني البالغ بتطوير العلاقات مع مصر كشريك استراتيجي وثيق”.

وأشارت إلى أن الزيارة “ستعزز من الثقة السياسية والتنسيق الاستراتيجي بين الجانبين، بما يرسّخ دعائم الشراكة الاستراتيجية الشاملة”.

وأكدت أن مصر “ركيزة أساسية في العلاقات الصينية العربية، وبوابة للتعاون مع إفريقيا. كما ستسهم هذه الزيارة في تمهيد الطريق أمام انعقاد القمة الصينية العربية الثانية العام المقبل، وتعزيز الجهود لبناء مجتمع مصير مشترك صيني عربي يقوم على التعاون المتكافئ والتنمية المشتركة”.

وأصبح التعاون في مجال الدفاع أحد الركائز الأساسية في الشراكة المتنامية بين بكين والقاهرة، فيما شهدت العلاقات العسكرية تعمقًا ملحوظًا، إذ أجرت القوات الجوية الصينية والمصرية أول مناورات جوية مشتركة في أبريل/الماضي، تحت اسم “نسور الحضارة 2025″، في قاعدة جوية مصرية.

وشاركت الصين في المناورات بمقاتلات J – 10 C، وطائرات التزود بالوقود YU-20، وطائرات الإنذار المبكر KJ – 500، إلى جانب مقاتلات MiG – 29 المصرية.

ونقلت صحيفة “ساوث تشاينا مورنينغ بوست” الصينية أنه خلال المناورات التي استمرت 18 يومًا قاد طيار مصري طائرة مقاتلة J – 10C، ما أعاد الحديث حول إمكانية بيعها للقاهرة.

وتتزامن زيارة لي تشيانغ إلى القاهرة مع تقارير تشير إلى أن مصر نشرت منظومة الدفاع الجوي الصينية HQ-9B، في إشارة إلى تقليص اعتمادها على الدعم العسكري الأميركي التقليدي، فيما لم يصدر تصريح مصري رسمي حول الموضوع.

وتربط القاهرة وبكين علاقات اقتصادية قوية، إذ يبلغ عدد الشركات الصينية العاملة في مصر 2800 شركة يتجاوز حجم استثماراتها 8 مليارات دولار، في عدة مجالات أبرزها البناء والتشييد والطاقة، وفق الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة في مصر (حكومية).

وأكد جهاز التمثيل التجاري المصري (حكومي) بحسب تقارير إعلامية الثلاثاء، أن التعاون بين مصر والصين يشهد “تطورًا متزايدًا”، خاصة في مجالات الاقتصاد والتجارة والاستثمار، حيث تسير العلاقات الثنائية بين البلدين “بخطى ثابتة نحو المزيد من الشراكات المثمرة”.

وتشير البيانات الرسمية إلى أن حجم التبادل التجاري بين الجانبين سجل ارتفاعًا ملحوظًا خلال الفترات الماضية، حيث وصل في عام 2024 إلى ما يقرب من 17.37 مليار دولار، مقارنة بـ 15.78 مليار دولار في عام 2023، بنسبة نمو تقدر بـ 10 في المئة، ما يعكس تنامي حجم التفاعل الاقتصادي بين البلدين.

ومن ناحية أخرى، تشير معطيات وزارة التجارة الصينية أن إجمالي الاستثمارات المصرية في الصين حتى نهاية عام 2024 بلغ ما يقرب من 73.03 مليون دولار أميركي، وقد توزعت بشكل أساسي على شركات تعمل في مجالات التجارة والسياحة والنقل البحري.

 

كما أصبحت مصر وجهة بارزة للاستثمار الصيني في المنطقة، حيث استقطبت منطقة قناة السويس الاقتصادية استثمارات صينية تجاوزت 8 مليارات دولار، وفق التقارير الرسمية.

ويأتي هذا التعاون المتنامي وسط توترات إقليمية وعالمية أبرزها الخلافات التجارية بين بكين وواشنطن وتداعيات الحرب في إسرائيل وإيران والحرب الإسرائيلية في قطاع غزة.

وترى الولايات المتحدة أن الاستثمارات الصينية قد تزيد من أعباء الديون على الدول النامية وتحد من الشفافية كما أن هناك مخاوف من أن تكون هذه الاستثمارات وسيلة للصين لتعزيز نفوذها السياسي والعسكري.

ويثير التعاون العسكري بين مصر والصين قلق واشنطن، خاصة فيما يتعلق بالتكنولوجيا العسكرية وتأثير ذلك على التوازن الإقليمي والأمن الإسرائيلي، ما من شأنه يؤدي إلى توترات في العلاقات المصرية الأميركية، وربما مراجعة المساعدات لمصر.

وتسعى مصر إلى الحفاظ على علاقات متوازنة مع كل من واشنطن وبكين وتجنب الاصطفاف مع أي طرف في صراع القوى العظمى، ضمن مساعيها الرامية إلى تحقيق أقصى استفادة من كلا الشراكتين دون الإضرار بمصالحها.

عاجل !!