إثيوبيا تدشن أكبر سد لتوليد الطاقة بأفريقيا رغم مخاوف مصر

هيئة التحريرمنذ 3 ساعاتآخر تحديث :
إثيوبيا تدشن أكبر سد لتوليد الطاقة بأفريقيا رغم مخاوف مصر

رئيس الوزراء الأثيوبي يصف سد النهضة بأنه “إنجاز عظيم” ليس فقط لأديس أبابا بل لكل الشعوب السوداء

تقدّم إثيوبيا “سد النهضة الكبير” على أنّه أكبر مشروع لتوليد الطاقة الكهرومائية في إفريقيا

أطلق المشروع  بميزانية بلغت أربعة مليارات دولار. ويبلغ عرضه نحو كيلومترين وارتفاعه 170 مترا فيما تصل سعته إلى 74 مليار متر مكعّب من المياه

رئيس شركة “ويبيلد” الإيطالية بيترو ساليني : السد “سيغير حياة ما بين 30 إلى 40 مليون شخص” في إثيوبيا وسيوفر لهم إمكانية الوصول إلى الكهرباء

 

أديس أبابا / النهار

دشّنت أثيوبيا رسميا بعد أعمال بناء استمرت 14 عاما، سد النهضة الضخم المقام على نهر النيل والذي يشكّل منذ أعوام موضع توتر مع مصر والسودان. وأثناء حفل التدشين الذي حضره قادة إقليميون، وصف رئيس الوزراء الأثيوبي أبيي أحمد السد بأنّه “إنجاز عظيم ليس فقط لإثيوبيا، بل لكل الشعوب السوداء”.

وقال إن السد “برهان على أننا… قادرون على تحقيق كل ما نخطط له”، متوجّها إلى دول الجوار بالقول إن “اثيوبيا أنجزت مشروع سدّ النهضة الكبير من أجل المجتمعات السوداء. هذا لن يؤثر على الإطلاق على التنمية لديكم”.

وتقدّم إثيوبيا “سد النهضة الكبير” على أنّه أكبر مشروع لتوليد الطاقة الكهرومائية في إفريقيا. ويشكّل السدّ مصدر اعتزاز لأديس أبابا، وأيضا موضع إجماع نادر الحصول في بلاد تشهد نزاعات مسلّحة بعضها لا يزال جاريا ولا سيما في منطقتي أوروميا وأمهرة، ثاني أكبر أقاليم اثيوبيا من حيث التعداد السكاني، وبعضها انتهى كما في إقليم تيغراي حيث توقفت الحرب في 2022 بعدما أوقعت 600 ألف قتيل بحسب تقديرات الاتحاد الإفريقي.

 

وأطلق المشروع في أبريل/نيسان 2011 بميزانية بلغت أربعة مليارات دولار. ويبلغ عرضه نحو كيلومترين وارتفاعه 170 مترا فيما تصل سعته إلى 74 مليار متر مكعّب من المياه، بحسب شركة “ويبيلد” الايطالية التي قامت بتشييده.

 

ويرى خبراء أن السدّ يعدّ بمثابة تعهّد بـ”ثورة في مجال الطاقة” في إثيوبيا، ثاني أكبر دولة في إفريقيا من حيث عدد السكان (130 مليون نسمة)، لا يحصل سوى 45 في المئة منهم على الكهرباء.

 

تغير حياة

 

وقال رئيس شركة “ويبيلد” الإيطالية بيترو ساليني لوكالة فرانس برس إن السد “سيغير حياة ما بين 30 إلى 40 مليون شخص” في إثيوبيا وسيوفر لهم إمكانية الوصول إلى الكهرباء. وأضاف أنه “فخور” لأن السد لم يعد “حلما بل حقيقة”.

 

وكان من بين الحاضرين في حفل التدشين رئيس جنوب السودان سلفا كير الذي أعلن أن أحدث دولة في العالم ستوقع اتفاقية مع إثيوبيا لشراء الكهرباء.

 

ودخلت العديد من التوربينات الثلاث عشرة في الخدمة منذ العام 2022. وفي يوليو/تموز، أعلنت أديس أبابا اكتمال المشروع. ويقدَّر أن تبلغ الطاقة الإنتاجية للسدّ 5150 ميغاوات، أي ضعف ما ينتج البلد راهنا.

 

ومع ذلك، فإن هذه الطاقة أقل بكثير من أكبر سدين في العالم، سد الممرات الثلاثة (22.5 جيغاواط) وسد بايهيتان (16 جيغاواط)، الواقعين في الصين.

 

ويعد سد النهضة من بين أعلى السدود في أفريقيا، بعد سد جلجل جيبي الثالث (243 مترا) على نهر أومو في إثيوبيا، والذي تم تدشينه في العام 2016، وسد كاتسي على نهر ماليباماتسو في ليسوتو (185 مترا).

 

كذلك، قالت أديس أبابا إنه سيوفّر إيرادات قدرها مليار دولار سنويا من الكهرباء المباعة لجيرانها. وبدأت الاحتفالات بتدشين السد مساء الاثنين، تخللّها تحليق طائرات دون طيار تحمل شعارات، مثل “الصعود الجيوسياسي” و”قفزة نحو المستقبل”، إضافة إلى عرض ضخم للألعاب النارية. وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، انتشرت صور السد مزيّنا بالعلم الإثيوبي.

 

مصالح وجودية

 

غير أنّ المشروع يواجه انتقادات شديدة من القاهرة التي تعتبره تهديدا وجوديا إذ قد يؤدي إلى تراجع مواردها المائية.

 

وتعوّل مصر البالغ عدد سكانها نحو 110 ملايين نسمة، على النيل لتغطية 97 بالمئة من احتياجاتها من المياه، ولا سيما للزراعة.

 

وبحسب وزارة الموارد المائية والري المصرية، فإن موارد مصر المائية تقدر بحوالى 56.6 مليار متر مكعب سنويا، في حين تبلغ احتياجاتها حوالي 114 مليار متر مكعب.

واحتجت مصر على تدشين سدّ النهضة، منددة في رسالة الى مجلس الأمن بـ”إجراء أحادي” مخالف للقانون الدولي، مؤكدة أنها “لن تسمح للمساعي الإثيوبية بالهيمنة على إدارة الموارد المائية بصورة أحادية وتحتفظ بحقها في اتخاذ كافة التدابير المكفولة بموجب القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة للدفاع عن المصالح الوجودية لشعبها”.

 

وفي أغسطس/آب، أعلن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أن “من يعتقد أن مصر ستغض الطرف عن تهديد أمنها المائي فهو مخطئ”.

 

وقامت السلطات المصرية مؤخرا بالتقارب مع الدولتين المحاذيتين لإثيوبيا، إريتريا التي شهدت علاقاتها مؤخرا توترا مع أديس أبابا، والصومال.

 

كذلك أعرب السودان عن قلقه حيال تشغيل سد النهضة وشدد في موقف مشترك مع مصر في أواخر يونيو/حزيران على “رفض الإجراءات الأحادية في حوض النيل الأزرق”.

 

وفشلت كل محاولات الوساطة بين الدول الثلاث، مصر وإثيوبيا والسودان، والتي قامت بها تواليا الولايات المتحدة والبنك الدولي وروسيا والإمارات والاتحاد الإفريقي.

 

وسعت إثيوبيا مرارا لطمأنة دول الجوار. وتوجه أبيي أحمد في يوليو/تموز إلى مصر والسودان بالقول إن “سد النهضة لا يشكّل تهديدا بل فرصة مشتركة”، مشيرا إلى أن “الطاقة والتنمية اللتين سيولدهما لن ترتقيا بإثيوبيا وحدها”.

 

وأكد أن “سد أسوان في مصر لم يخسر ليترا واحدا من المياه بسبب سد النهضة”. وكرر هذا الخطاب مؤخرا إذ قال إن “السدود المصرية والسودانية يفترض أن تكون ممتلئة. لا نريد أن يولّد سد النهضة أية مخاوف” للبلدين.

 

وقال بيترو ساليني إن السدود “تستخدم المياه لإنتاج الطاقة. وبالتالي، فهي ليست أنظمة ري تستهلك المياه”، مؤكدا أنه لن يكون هناك “أي تأثير على تدفق المياه”.

وأعلن رئيس الوزراء الإثيوبي آبيي أحمد، أن بلاده تتوقع تحقيق إيرادات سنوية تصل إلى مليار دولار من مشروع سد النهضة الذي شُيِّد على مجرى النيل الأزرق، مشيرًا إلى أن التشغيل الكامل للسد سيبدأ في سبتمبر/أيلول الجاري.

 

وفي مقابلة متلفزة مع وسائل إعلام رسمية بثت يوم الاثنين، قال آبيي إن العائدات المنتظرة من السد سيتم توجيهها “لاستثمارها في مشاريع أخرى”، مضيفًا أن أديس أبابا تخطط لإنشاء مشروعات كهرومائية جديدة مشابهة خلال الأعوام الخمسة إلى الخمسة عشر المقبلة.

 

أكبر مشروع كهرومائي في إفريقيا

 

وانطلق العمل في سد النهضة الإثيوبي الكبير عام 2011 بميزانية بلغت نحو 4 مليارات دولار، ويُعد اليوم أكبر مشروع كهرومائي في إفريقيا، إذ يبلغ عرضه 1.8 كيلومتر وارتفاعه 145 متراً، وتصل سعته التخزينية إلى 74 مليار متر مكعب من المياه.

 

وبحسب الحكومة الإثيوبية، فإن السد قادر على توليد أكثر من 5000 ميغاواط من الكهرباء، أي ما يعادل ضعف الإنتاج الكهربائي الحالي في البلاد، في وقت لا يزال فيه نحو 60 مليون إثيوبي محرومين من التيار الكهربائي، وفق تقرير للبنك الدولي صدر في يناير/كانون الثاني 2025.

 

توتر إقليمي وقلق مصري – سوداني

 

ورغم ما يمثله السد من أهمية استراتيجية لإثيوبيا، إلا أنه يظل محور توتر إقليمي حاد، خاصة مع مصر والسودان، اللتين تخشيان من آثار تشغيل السد دون اتفاق قانوني ملزم. وقد فشلت جولات التفاوض الثلاثية المتكررة خلال السنوات الماضية في التوصل إلى أي تسوية شاملة، رغم الوساطات الدولية والإفريقية.

 

وتُعد مصر من أكثر الدول اعتمادًا على نهر النيل، إذ يغطي النهر 97% في المئة من احتياجاتها المائية، ما يجعلها ترى في المشروع الإثيوبي تهديدًا وجوديًا مباشرًا. أما السودان، فيخشى من الآثار المحتملة على أمنه المائي وسلامة بنيته التحتية المائية، لا سيما في ظل غياب آلية تنسيق وتشغيل شفافة.

 

وفي تعليقه على هذه المخاوف، قال آبيي أحمد “الكثير من أصدقائنا ناقشونا، حذرونا، وهددونا، لكننا لا نرغب في أن يُسبب السد قلقًا أو مخاوف لأحد، سواء في القاهرة أو الخرطوم”.

 

اقتصاد متعطش للطاقة والاستثمار

 

وتسعى إثيوبيا، التي يبلغ عدد سكانها نحو 130 مليون نسمة، إلى تأمين احتياجاتها المتزايدة من الطاقة لدفع عجلة التنمية الاقتصادية، خاصة في ظل محدودية البنية التحتية وانقطاع الكهرباء المتكرر.

 

وتأمل الحكومة أن يتحول سد النهضة إلى محور اقتصادي محلي وإقليمي من خلال تصدير الفائض من الكهرباء إلى دول الجوار مثل السودان، وجيبوتي، وكينيا، ما يعزز مكانة إثيوبيا في سوق الطاقة شرق الإفريقية، ويمنحها نفوذًا اقتصاديًا وجيوسياسيًا متزايدًا في المنطقة.

 

مشروع اقتصادي أم أداة جيوسياسية؟

 

ورغم الأبعاد الاقتصادية لسد النهضة، إلا أن المشروع يُنظر إليه بشكل متزايد كـأداة جيوسياسية تستخدمها أديس أبابا لإعادة رسم موازين القوى في حوض النيل. ويأتي الإعلان عن العائدات المتوقعة بالتزامن مع تصاعد القلق الإقليمي، ليطرح سؤالًا محوريًا:

 

هل تسعى إثيوبيا حقًا إلى التنمية المستدامة فقط، أم أنها تبني مشروعًا كهربائيًا يُوظَّف كورقة ضغط استراتيجية في مواجهة القاهرة والخرطوم؟

 

وبين الاحتياجات التنموية المشروعة والمخاوف الوجودية المُبرَّرة، يبقى سد النهضة قضية مفتوحة على احتمالات التصعيد أو التسوية، رهنًا بإرادة سياسية تضع المصالح المشتركة فوق منطق الهيمنة.

وأكدت مصر على لسان وزير خارجيتها بدر عبد العاطي استعدادها لاتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لحماية أمنها القومي، فيما تبدو رسالة تحذيرية موجهة إلى إثيوبيا التي أعلنت خلال الآونة الأخيرة اقترابها من تدشين سد النهضة الذي أدى إلى تأجيج التوتر بين البلدين.

 

وتصدرت هذه القضية المباحثات التي دارت بين عبدالعاطي ونظيره الأوغندي، هنري أورييم أوكيلو، بحضور وزير الري المصري هاني سويلم خلال زيارتهما الحالية غير محددة المدة للعاصمة الأوغندية كمبالا، وفق بيان للخارجية المصرية.

 

وتستمر مصر، التي تعتمد على نهر النيل بنسبة تصل إلى 97 بالمئة لتلبية احتياجاتها المائية، في حشد الدعم الدولي لموقفها، سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي، وتدرس كافة الخيارات القانونية المتاحة لحماية حقوقها وهي رسالة واضحة للمجتمع الدولي ودول حوض النيل بأنها لن تتهاون في تسوية هذا الملف.

 

وتتشارك 11 دولة في نهر النيل، الذي يجري لمسافة 6 آلاف و650 كيلومترا، وهي: بوروندي ورواندا والكونغو الديمقراطية وكينيا وأوغندا وتنزانيا وإثيوبيا وإريتريا وجنوب السودان والسودان ومصر، وسط خلافات لاسيما بين القاهرة وأديس أبابا بسبب ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي ورفض مصري سوداني لاتفاقية عنتيبي بسبب مخاوف من تأثيرات على الحصص المائية.

 

وتناول اللقاء سبل تعزيز العلاقات المصرية الأوغندية، وتكثيف التنسيق والتشاور إزاء القضايا ذات الاهتمام المشترك بجانب ملف الأمن المائي.

 

وشدد وزير الخارجية المصري على “أهمية التعاون وفقا لقواعد القانون الدولي للحفاظ على مصالح جميع دول حوض النيل مع التأكيد على رفض الإجراءات الأحادية المخالفة للقانون الدولي في حوض النيل الشرقي”.

 

وأكد أن “مصر ستتخذ كافة الإجراءات اللازمة اتساقاً مع القانون الدولي لحماية أمنها المائي”، دون توضيح طبيعة تلك الإجراءات.  من جانبه استعرض وزير الموارد المائية والري المصري خلال اللقاء “أوجه التعاون الثنائي والمشروعات القائمة بين مصر وأوغندا في مجال الموارد المائية”.

 

وأكد  أن “احترام القانون الدولي في نهر النيل أساس التعاون الإيجابي لتحقيق المصلحة المشتركة لجميع دول حوض النيل”، مشيرا إلى أن مصر تتحرك بملف المياه في مسارين الأول مرتبط بدول حوض النيل والثاني متعلق بسد النهضة الإثيوبي.

 

وبشأن دول حوض النيل، طالبت وزارة الري المصري في أكتوبر/تشرين أول 2024، البلدان الموقعة على اتفاقية عنتيبي، بمراجعة مواقفها من الاتفاقية، والعودة للنقاش حول التعاون بين دول النهر.

 

وفي 1999 جرى الإعلان عن اتفاقية إطارية لدول حوض النيل، عرفت باسم “عنتيبي” (مدينة أوغندية)، ثم في 2010 وقعت عليها إثيوبيا ورواندا وتنزانيا وأوغندا وبورندي، وانضمت إليها جنوب السودان في يوليو/تموز 2024، وسط رفض مصري وسوداني مستمر لها.

 

وتعتبر القاهرة والخرطوم أن الاتفاقية لا تراعي اتفاقيات 1902 و1929 و1959 التي حددت حصص مياه معينة (55 مليارا و500 مليون متر مكعب لمصر و18 مليارا و500 مليون متر مكعب للسودان) وحقوق نقض لمصر والسودان لأي مشاريع تُقام على النيل ويمكن أن تؤثر سلبا على كميات المياه أو تعدّل وقت وصولها.

 

ويمكّن سريان الاتفاقية دول حوض النيل من إنشاء مفوضية يُناط بها إدارة الحوض والإشراف على استخدامات مياهه وحمايته وتنميته، دون مراعاة اتفاقيات 1902 و1929 و1959.

 

وبخلاف الاتفاقية التي تدعمها أديس أبابا، تطالب القاهرة والخرطوم بالتوصل أولا إلى اتفاق ثلاثي قانوني ملزم بشأن ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي الذي بدأ بناؤه في 2011، ولاسيما في أوقات الجفاف لضمان استمرار تدفق حصتيهما من مياه نهر النيل.

 

في المقابل تعتبر أديس أبابا أن الأمر لا يستلزم توقيع اتفاق، وتردد أنها لا تعتزم الإضرار بمصالح أي دولة أخرى، ما أدى إلى تجميد المفاوضات لمدة 3 أعوام، قبل أن تُستأنف في 2023، وتجمد مرة أخرى في 2024.

 

وفي يوليو/تموز الماضي دعا رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، نظيره الإثيوبي آبي أحمد، خلال لقاء في قمة مجموعة “بريكس” الاقتصادية التي استضافتها مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية، إلى إبرام وثيقة بشأن سد النهضة تضمن “عدم الإضرار بمصر”، وفق بيان لمجلس الوزراء المصري.

عاجل !!