المجموعة الشعرية “حزنائيل” للشاعرة السعودية فاطمة عبدالله الدبيس كتبت بشكل حداثي مميز اذ جاءت على نحو الاشكال الشعرية (العمودي، التفعيلي، النثري) ومنذ العتبة الأولى (حزنائيل) ستجد ان للدلالة والرمز حضورهما في تأثيث القصيدة الشعرية لفاطمة عبدالله وهي تدرك جيداً تراكيب نصوصها وكيفية تأثيثها بما هو جمالي وفكري ، اذ جاءت المجموعة بواقع (328 صفحة) ضمت القصائد بطريقة بناء فيه من المخيلة ما هو روحي بما يكفي لتكون المجموعة نابضة بالحياة وملامسة لشغاف الروح للقراء ولاسيما النساء العربيات منهن ، ان الشاعرة في نصوص مجموعتها هذه تستدعي البلاغة القرآنية بحكاياتها ومدلولاتها وشخوصها لتوظفها في نصوصها الشعرية على امتداد المجموعة
فالكلمات في نصوصها تتحول الى موسيقى ذات ايفاع رومانسي رهيف بلغة تقترب من لغة التصوف ولغة مفرطة بشاعرية الكون وفرط جدلياته الفلسفية، وفيها من السردية الواصفة ما يحيلها الى جمال مرئي يحيلنا للواقع الحياتي واخيلة الماضي بسحر صوره المفترضة والتاريخية ، تشخص في متن المجموعة جدليات عدة على شكل ثنائيات ( الحزن/ اللاحزن) (السؤال/ لا جدوى السؤال) ( السكون= تأمل للكون/ الحركة= سفر وحركية مستمرة) (المثل العليا/ العالم السفلي) (العالم الاخر/ العالم الأرضي) ( فضاءات الأرض/ فضاءات الجنة) (يباب الروح/ انهار الحب) (السنابل اليابسات/ السنابل الخضراء) (حميمة المكان= الى غرفتي المباركة وحرمي الامن/ المكان المعادي= بما يتمثل من مظاهر مكانية مخيفة وقلقة ومعادية في متن النص الشعري= العالم السامج الذي يرعف مللًا وسأمًا وموتًا) (الذات/ العالم الموضوعي) (ترجل عن الذات) (نصفي هنا..نصفي هناك بمأتمي/ ص121) (الانا/ الاخر) (ابحث عن مرادف لشكلي/ ابحث عن رسم ملامحي/ ص235) (الصعود/ النزول) ((المرأة الممنوعة من الحلم …المجرورة بالكسر…احاول ان ارفع نفسي بالضم) (انا متمثلة برحم الام/ وتمظهرات خارجية متمثلة بالعالم بما يضم من بؤس وسوداوية وتيه وافراح وسعادات/ عالم الاطياف وكون فسيح!) ( الوجود/ الفناء) (السدى/ امراة دون هوية/ وحيدة كنت / بلا خريطة للارحام) ضمن نسق شعري نسوي واضح ثيمته المركزية (امرأة) تكابد هذا العالم والوجود والمفازات والخسارات من خلال موجة الأفعال والنفي المنصهر في متون نصوص هذه المجموعة الشعرية والتي تتحرك سيرورتها بديناميكية عالية جراء موجة الأفعال التصادمية بفاعلية النفي المتنامي، اما على مستوى الحمولة الدلالية والايحاءات والاحالات فان المجموعة بل كل مقطوعة شعرية تتمثل بهذه الاحالات وما تفضي من معنى حياتي تحاول الشاعرة او تومئ له بطريقة بنائها النص واختيار مفرداتها (المستدعاة من الموروث الديني والتاريخي والاجتماعي) لنسق الفرد العربي ومرجعياته المدونة والشفاهية : الباب ومدلولاته ، الطريق ومدلولاته ، النهر والحدائق ومدلولاتهما ، العصافير والحمام ومدلولاتهما، صورة الطبيعة ومدلولاتها وهي تتمثل بحيرة الوجود وروحانية التصوف ومبتنياتها في المثل العليا التي تتصل بما هو حسي في العالم الأرض (تجليات) ضمن متخيل قصيدة شعرية تحاول اسقاط المقاربة الجمالية لتلك المثل في لحظتنا الراهنة بما فيها من منغصات وخسارات : (من العدم الموشى بالأسئلة) (من نافذة الدهشة المكسورة من الكأس الفارغة) (الحيرة الازلية تائهاً في دهاليز العروق) ناهيك عن (اتصالية الواحد والكثرة: نص الواحد الكثير/ 169) (يتدفق اسمك) (امنت بالواحد الكثير) تعمل على الاتصاليات والتقاطعات ومفازتها المرجعية في البناء هو جمالية المثل العليا / ونقديتها بحمولة شعرية لعدمية المتغير المتحرك الأرضي في راهنية الحياة وصورها المختلفة وما تمثلها من لحظة بؤس سوداوية بحق كيان (الانثى) لذلك تنطلق الشاعرة من هذه اللحظة لترسم صورها في فضاء يحاول صياغة اعتراضية ويطرح أسئلة وجودة تتصوف بأثاث مفرداتها وتتعمق دلالة من حيث تراكيبها وايقاعاتها مما يشكل قصيدة خاصة بفاطمة عبدالله فيها من الهوية والبصمة ما يمكن ان يشكل علامة فارقة في بناء نصها الشعري على امتداد المجموعة الشعرية وهو ما يجعل كل تلك القصائد ممتعة وسهلة التلقي والقراءة ، انها سفر سياحي مداره المفردة الشعرية والتوظيف البلاغي للموروث اللغوي والحكائي للفرد العربي.
أيها الكون اتئد أريد أن أنام قليلاً : قراءة في الديوان الشعري (حزنائيل) للشاعرة السعودية (فاطمة عبدالله الدبيس) / الدكتور حيدر علي الاسدي




