أزمة حلم / عبد الجبار خضير عباس

هيئة التحرير24 أغسطس 2025آخر تحديث :
أزمة حلم / عبد الجبار خضير عباس

يعبر الحلم عن مستويات عديدة من الدلالات، منها حلم النوم والحلم بمعنى العقل إذ يقال: فلان قد بلغ الحلم أي أصبح رجلاً عاقلاً، ومنها الحلم القسري حين تجبر في غرف التعذيب على حلم يقظة من نوع آخر، يشبه اختبارات غرفة التأملات في الماسونية، وحلم اليقظة بين الاستيقاظ والنوم، وبوصف غاستون باشلار “إن منطقة أحلام اليقظة المادية تسبق التأمل لأننا نحلم قبل أن نتأمل. وكل منظر تجربة حلمية قبل أن يكون مشهداً واعياً”. وثمة فارق بين الحلم والخيال الذي هو رسم صور للواقع مبتكرة، ويدعو ابن عربي إلى الخيال الخلاق، فالخيال عنده ليس ابتكاراً للصور من مادة الواقع أو من (طينه) بتعبير أدونيس، بل صورة تضاف إلى الواقع، كي تغنيه. ويرى “إن قوى التخييل عند العرب شغلت على نحو أخص، لأسباب دينية في المقام الاول، بفتنة العين والنظر والبصر قبل البصيرة. مظهر الكائن قبل جوهره.. وشغلها الحلم بوصفه إفلاتاً من ثقل الواقع وقبضته عزاءً وأملاً). ويأتي الحلم بمعنى الرؤيا بوصفه أمراً ألهياً يتلقاه فقط الأنبياء عند بعض منهم وبعض آخر يشمل الأئمة أو مجمل الناس الصالحين. وثمة قراءة سيكولوجية للحلم المعبر عنها على وفق القراءة الفرويدية وغيرها. أو بمعنى المتجاوز الذاتي للفرد والتعبير عما هو كوني في الإنسان. إلا أن ما يهمنا هنا هو فقداننا للحلم بوصفه توحيداً بين البصر والبصيرة على وفق قناعات ابن عربي. فالمتتبع لحملة الانتخابات الاميركية الأخيرة، لا بد أن لفت انتباهه شعار الحلم الاميركي بالإشارة لمطالب (مارتن لوثر كنك) الداعية للعدل والمساواة والمناهضة للتمييز العنصري، وقد تحقق حلم لوثر عبر انتخاب “باراك اوباما” رئيساً لأميركا، ما أحدث إنقلاباً في المسار الديمقراطي للبشرية، يتوافق مع أهمية ما فعل كوبرنيكوس، وفرويد، ودارون. ومدلول آخر للحلم الأميركي بأن الولايات المتحدة الأميركية مكان تحقيق الأحلام الفردية، فيهاجر إليها البشر من أرجاء المعمورة، إذ هناك يعيش الناس كما في اليابان وأوروبا ديدنهم الحلم بالمستقبل، إذ تحول لديهم التاريخ إلى فكرة أنهم منفلتون من إيقاع اللحظة المكانية، ودائماً هم في حلم بمعنى القصدية بهدف التغيير المستمر لحلم التحول المستقبلي، فلكل مؤسسة برنامج مستقبلي لخمس سنوات وأخرى عشر سنوات …إلخ. أما نحن، فنعيش حالة سبات جمعي وتكاسل بدلاً عن تحريك لوعينا، وان حلمنا فمعناه سطحي من دون قراءة للعمق، جعل خيالنا مربوطاً بالماضي وبعذابات القبر فزعاً وهلعاً يصنع الكوابيس. والحلم في مخيالنا الشعبي يعني الوهم، فاذا طرحت مشروعا أو فكرة تأتيك الإجابة أنك تحلم، يسحبك إلى دوائر الانكسار والفشل المسبق ويثبط من عزيمتك، إذا ما أحالك لحكاية صاحب العصفور الذي يمد يده مبتغياً اصطياد عصفور، وحين عرف المارة غايته اتهموه بالوهم والجنون، فرد عليهم ثمة من هو أكثر مني جنوناً من دفع عربوناً للعصفور! أي أننا نعيش أزمة حلم حقيقية… متى سيكون لنا حلم كالآخرين؟!

 

عاجل !!