منهج الحسين في السلام أخلاق تبدأ بالكلمة
قال الإمام الحسين عليه السلام السلام سبعون حسنة تسع وستون للمبتدئ وواحدة للراد
حديث صغير في لفظه عظيم في مضمونه يلخص فلسفة أخلاقية تربوية ترتكز عليها مدرسة أهل البيت عليهم السلام حيث يتحول الفعل اليومي إلى عبادة تربوية والسلوك الاجتماعي إلى بيان قيمي يُبنى عليه الوعي الجماعي
فأن تبادر بالسلام لا يعني فقط أن تلقي تحية بل أن تكسر حاجز الصمت وتعلن للآخر أنك إنسان يُقر بالمساواة ويبادر بالتواصل دون انتظار مقابل من هنا جاء التفاوت في الأجر بين المبتدئ والراد تسع وستون حسنة للبادي وحسنة واحدة فقط للراد ليس ذلك تفضيلا تعسفيا بل ترجمة لجوهر المبادرة الأخلاقية لأن من يبدأ بالسلام يتجاوز ذاته وقد يواجه خجله أو تردده أو حتى غرور غيره بينما الراد لا يفعل أكثر من أداء ردّ فعل طبيعي متوقع
السلام في منظومة الحسين ليس حركة شكلية بل خلق عميق يراد به تهذيب النفس وإصلاح المجتمع وقد نقلت سيرته مواقف متكررة كان فيها يبادر بالتحية للفقراء والصبيان دون أن تمنعه مكانته أو هيبته كان السلام لديه انعكاسا للقيادة الأخلاقية لا للموقع الاجتماعي وهذا بحد ذاته تعريف جديد للقيادة أن تكون قريبا من الناس مبادرا بالتحية جابرا لخواطرهم لا معزولا في برج الكبرياء
في بيئات معاصرة طغت فيها الألقاب على المبادئ وغاب فيها السلام من الكبار للصغار ومن الأغنياء للفقراء ومن المتصدرين للعامة يعود هذا الحديث ليؤدي وظيفة إصلاحية بامتياز فالكلمة البسيطة قادرة على ترميم النفوس وفتح نوافذ الاحترام وتبديد العزلة وهي بمثابة ميثاق أخلاقي قبل أن تكون طقسا اجتماعيا ولهذا فإن غرس هذا الحديث في المناهج التربوية والبرامج الإعلامية لا يُقصد به التذكير بتراث فحسب بل استعادة لوظيفة التعليم الديني بوصفه تربية على السلوك لا تلقينا للنصوص
إن اختيار الإمام الحسين لهذا الحديث ليكون واحدا من أقواله المأثورة ليس عفويا بل هو جزء من مشروعه الإصلاحي إذ رأى أن العلاقة بين الناس لا يمكن أن تنهض إلا من خلال مبادرات بسيطة تُثمر أثرا عظيما ومن هنا يمكن فهم كيف أن كل من يبدأ بالسلام في الدنيا إنما يفتح لنفسه بابا نحو الصلاح الأخلاقي ويؤسس لمجتمع لا تُدار فيه العلاقات بالمصالح والمنافع بل بالإقرار المتبادل بالكرامة والاحترام
السلام كما يقدمه الإمام الحسين ليس كلمة عابرة بل مدرسة بل رسالة وهو شكل من أشكال السلوك النبوي الذي بُعث النبي محمد صلى الله عليه وآله ليتممه وكما قال إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق فكان السلام عنوانا لمرحلة أخلاقية لا يجوز أن تتراجع مهما تغير الزمن أو تبدلت العلاقات
وفي سياق شهر محرّم حيث نستحضر سيرة الحسين لا بوصفه شهيدا ثائرا فحسب بل قدوة أخلاقية وتربوية تكتسب هذه الكلمة السلام معناها الأعمق فالإمام لم يكن يطلب أن نبكيه فقط بل أن نحيا خُلقه وأن ننقل قضيته من المآتم إلى المنصات التعليمية ومن الألسن إلى الأفعال
إننا حين نُحيي السلام في علاقاتنا نُحيي في الحقيقة جوهر كربلاء لأن كل سلام ينبع من القلب هو حسنة من مدرسة الحسين وكل يد تُمد دون غرور هي عهد معه أننا فهمنا رسالته فليكن شعارنا من أراد أن يسير على نهج الحسين فليبدأ بتحية من خُلق قبل أي شعار أو دمعة