تُعرَّف الإدارة كمفهوم تنظيمي بأنها: “إنجاز الأعمال من خلال الآخرين”، وهو إنجاز يتم ضمن إطار مخطط وهيكل تنظيمي يبدأ من المستويات العليا ويصل إلى أبسط مستوى وظيفي يُسهم في تقديم الخدمات العامة أو الخاصة، وتعكس هذه العلاقة التراتبية منظومة اتصالية متكاملة، يُفترض فيها التناسق والتناغم في الأداء، ما يضمن فعالية إنجاز المهام وتحقيق الأهداف ،
وانطلاقًا من هذا التعريف، فإن التركيز على عبارة “من خلال الآخرين” يُبرز الأهمية المحورية للعنصر البشري داخل المنظمة. إذ يُعد الموظفون بمثابة البنية الأساسية للمنظمة، ويتحمل كل فرد منهم مسؤولية مباشرة في تحقيق أهدافها. ومن هذا المنطلق، فإن العناية بالموارد البشرية في مختلف مراحل عملها سواء في حالات النجاح أو الإخفاق هي مسؤولية أساسية تقع على عاتق الإدارة العليا، التي يقع ضمن مهامها تصميم الخطط الاستراتيجية وتوظيف الإمكانات البشرية والمادية لتحقيق التميز والتنافسية ، وفي السياق ذاته، تسعى المؤسسات العامة، كما هو الحال في منظمات الأعمال، إلى تحقيق أعلى مستويات الأداء والكفاءة، مع اختلاف الأهداف النهائية؛ إذ تهدف المؤسسات الحكومية إلى تقديم خدمات نوعية للمجتمع، بينما تركز منظمات الأعمال على تحقيق الربحية والتنافس في الأسواق ، وتواجه المنظمات، خلال تنفيذ أعمالها، تحديات مادية تتعلق بالتمويل والتجهيز، وأخرى معنوية ترتبط بالعناصر البشرية وفعالية الاتصال داخل المنظمة ومع بيئتها. ومن هنا، فإن الاستثمار الأمثل في الموارد البشرية يمثل العامل الحاسم في تحقيق التميز المؤسسي، خاصة عند تمكين الكفاءات ومنحها المساحة المناسبة للإبداع والتطوير، بعيدًا عن الروتين والقيود البيروقراطية ، ولتحقيق هذا الهدف، تُعد العلاقة المرنة بين الرئيس ومرؤوسيه شرطًا جوهريًا. ويُعد الإصغاء الإيجابي من قبل الإدارة العليا محورًا رئيسيًا في تعزيز هذه العلاقة، بما يسهم في إذابة الحواجز النفسية والبيروقراطية التي قد تعيق التواصل الفعال ، كما أن الحوار المفتوح حول التحديات والفرص يعزز من ثقافة الانتماء المشترك، ويُسهم في تحفيز بيئة العمل التعاونية، حيث تؤدي مختلف المستويات الإدارية أدوارها ضمن رؤية موحدة تخدم مصالح المنظمة وتدعم توجهاتها التطويرية ، وفي هذا الإطار، ينبغي للإدارة العليا أن تتجرد من العواطف والانطباعات الشخصية عند اتخاذ القرارات، خاصة تلك التي تمس أداء الموظفين ، فالاستناد إلى الأقاويل غير المثبتة دون التحقق من الحقائق يمثل مظهرًا من مظاهر الإدارة غير الرشيدة، ويؤدي إلى تشويه العلاقات التنظيمية وزعزعة الثقة داخل المؤسسة. فالإدارة الفعالة هي تلك التي تسعى إلى تحليل جذور المشكلات ومعالجتها من خلال التواصل المباشر مع الأطراف المعنية، بدلًا من تبني أحكام مسبقة قد تكون مبنية على روايات غير دقيقة ، وغالبا ما يتم اتخاذ قرارات جزئية بحق الموظفين دون منحهم فرصة للدفاع عن أنفسهم أو تقديم تبريراتهم، مما يُفضي إلى بيئة تنظيمية غير مستقرة، ويُعرض المؤسسة لمخاطر تفكك العلاقة بين القيادة والعاملين، خاصة في ظل الأزمات والتحديات ، ولا يمكن بناء مؤسسة ناجحة في ظل علاقات اتصالية مضطربة أو منعدمة بين الرئيس ومرؤوسيه. فالشعور بالانتماء والولاء المهني لا يمكن أن ينمو في بيئة يغيب عنها التواصل البنّاء، وتفتقر إلى العدالة التنظيمية. في المقابل، تُعد القيادة الديمقراطية التي تتبنى ممارسات شفافة وتمنح الموظفين دورًا فاعلًا في منظومة العمل، إحدى السمات الرئيسية للإدارات الناجحة التي تحفز الأداء وتدفع المنظمة نحو التميز ، ولضمان ولاء الموظفين الإيجابي واستدامة أدائهم، يتوجب على الإدارات العليا تجنب الانسياق وراء الانطباعات أو المنافسات غير المشروعة داخل المنظمة. فالمعيار الأساس في التقييم يجب أن يُبنى على الأداء الحقيقي والقدرة على الإبداع وتقديم الحلول. ويُعد تعزيز ثقافة التقييم العادل والموضوعي مؤشرًا على نضج المؤسسة وقدرتها على التمييز بين الأداء الفعلي والادعاءات المغرضة، مما يسهم في ترسيخ بيئة مؤسسية قائمة على الثقة والمهنية.