ترامب ينهي العقوبات على سوريا مع اهتمام إسرائيل بتطبيع العلاقات

هيئة التحرير1 يوليو 2025آخر تحديث :
ترامب ينهي العقوبات على سوريا مع اهتمام إسرائيل بتطبيع العلاقات

خطوة ترامب تفتح الباب أمام انفتاح مالي وتجاري غير مسبوق رغم بقاء سوريا على قائمة “رعاة الإرهاب” الأميركية

وقّع ترامب أمرا تنفيذيا أنهى بموجبه “حالة الطوارئ الوطنية” القائمة بشأن سوريا منذ عام 2004 والتي فرضت بموجبها عقوبات شاملة على دمشق أثّرت

واشنطن وتل أبيب : هضبة الجولان السورية المحتلة ستبقى “جزءا لا يتجزأ” من إسرائيل في أي اتفاق سلام محتمل

هذه الخطوة ستنهي عزلة البلاد عن النظام المالي الدولي وتهيّئ للتجارة العالمية وتحفّز الاستثمارات من جيرانها في المنطقة وكذلك من الولايات المتحدة

وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني : “نرحّب بإلغاء الجزء الأكبر من برنامج العقوبات المفروضة على الجمهورية العربية السورية

 

واشنطن / وكالات

 رفع الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسميا العقوبات المفروضة على سوريا، على أمل إعادة دمج الدولة التي مزقتها الحرب في الاقتصاد العالمي وفي حين تتطلع إسرائيل إلى علاقات مع دمشق التي سارعت من جهتها إلى الترحيب بـ”قرار تاريخي”.

وكان ترامب أعلن في مايو عزمه على رفع معظم العقوبات المفروضة على سوريا استجابة لمناشدات من السعودية وتركيا بعد أن أنهى تحالف فصائل مسلحة قادته هيئة تحرير الشام، الفرع السابق لتنظيم القاعدة، نصف قرن من حكم عائلة الأسد.

ووقّع ترامب أمرا تنفيذيا أنهى بموجبه “حالة الطوارئ الوطنية” القائمة بشأن سوريا منذ عام 2004 والتي فرضت بموجبها عقوبات شاملة على دمشق أثّرت على معظم المؤسسات التي تديرها الدولة ومن بينها البنك المركزي.

وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت للصحافيين إنّ توقيع هذا الأمر التنفيذي “يأتي في إطار الجهود الرامية إلى تعزيز ودعم مسار البلاد نحو الاستقرار والسلام”.

من جهته، قال مسؤول العقوبات في وزارة الخزانة الأميركية براد سميث إنّ هذه الخطوة “ستنهي عزلة البلاد عن النظام المالي الدولي، وتهيّئ للتجارة العالمية وتحفّز الاستثمارات من جيرانها في المنطقة وكذلك من الولايات المتحدة”.

وجاء في الأمر الذي أصدره البيت الأبيض أنّ سوريا “تغيّرت” منذ سقوط الأسد، بما في ذلك من خلال “الإجراءات الإيجابية التي اتخذتها الحكومة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع”.وسارعت الحكومة السورية إلى الترحيب بخطوة ترامب.

وقال وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في منشور على منصة إكس “نرحّب بإلغاء الجزء الأكبر من برنامج العقوبات المفروضة على الجمهورية العربية السورية، بموجب القرار التنفيذي التاريخي الصادر عن الرئيس ترامب”.

وأضاف أنّ هذا القرار “يمثّل نقطة تحول مهمة من شأنها أن تُسهم في دفع سوريا نحو مرحلة جديدة من الازدهار والاستقرار والانفتاح على المجتمع الدولي”.

وشدّد الوزير السوري على أنّه “برفع هذا العائق الكبير أمام التعافي الاقتصادي، تُفتح أبواب إعادة الإعمار والتنمية التي طال انتظارها، وتأهيل البُنى التحتية الحيوية، بما يوفّر الظروف اللازمة للعودة الكريمة والآمنة للمهجرين السوريين إلى وطنهم”.

وأبقت الولايات المتحدة العقوبات المفروضة على أركان الحكومة السابقة، وفي مقدّمهم الرئيس السابق بشار الأسد الذي فرّ إلى روسيا أواخر العام الماضي.

وأجرت سوريا مؤخرا أول تحويل مالي إلكتروني عبر النظام المصرفي الدولي منذ أن انزلقت إلى حرب أهلية دامية عقب احتجاجات شعبية قمعت بالقوة عام 2011.

وجاء قرار رفع العقوبات الأميركية عن سوريا متزامنا مع تحول لافت في الموقف الإسرائيلي، حيث أبدت الدولة العبرية اهتمامها بتطبيع العلاقات مع دمشق مع بيروت.

هذا التزامن يشير إلى ديناميكية إقليمية جديدة، مدفوعة بتراجع نفوذ إيران في سوريا ولبنان، ولا سيما بسبب الضربات الإسرائيلية المكثفة.

ورأى مسؤولون في إدارة ترامب أن رفع العقوبات عن سوريا من شأنه أن يؤدي إلى دمج البلاد بشكل أفضل في المنطقة وتحفيز المبادرات الإسرائيلية.

وقال توم باراك، السفير الأميركي لدى تركيا ومبعوث ترامب إلى سوريا، إنّ الهجمات الإسرائيلية المكثفة على إيران في يونيو فتحت “نافذة لم تكن موجودة قط”.

وأضاف في تصريحات صحافية “إنها فرصة لم نرها من قبل على الإطلاق، وقد شكّل الرئيس فريقا قادرا على تحقيقها”.

وهذا التطور يفتح الباب أمام إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية، مع تطلع إسرائيل إلى علاقات طبيعية مع جارتها الشمالية بعد سنوات من العداء، بعد أن قصفت إسرائيل معظم المواقع العسكرية في سوريا عقب سقوط الأسد وأبدت في بادئ الأمر تشككها في مسار الدولة المجاورة في ظلّ حكم الشرع.

ومن المتوقع أن يسهم رفع العقوبات في دمج سوريا بشكل أكبر في محيطها الإقليمي، ما يصب في مصلحة إسرائيل التي تتطلع إلى تقليل النفوذ الإيراني على حدودها الشمالية.

وعلى الرغم من أن إسرائيل كانت قد أبدت تشككًا في مسار سوريا بعد سقوط الأسد، إلا أن تولي الرئيس أحمد الشرع دفة الحكم وما تلى ذلك من إجراءات إيجابية، شجع إسرائيل على إعادة النظر في موقفها.

ورغم أن هذا التطور يبشر بمرحلة جديدة من الاستقرار، إلا أن الطريق نحو التطبيع الكامل لا يزال يتطلب معالجة ملفات معقدة تتعلق بالحدود والأمن، إلى جانب الحاجة لبناء الثقة بين دولتين طالما كانتا في حالة عداء.

ورغم الأجواء المتفائلة بشأن الزعيم السوري الجديد، فقد شهدت البلاد سلسلة من الهجمات ضد الأقليات منذ سقوط الأسد.

وقُتل ما لا يقلّ عن 25 شخصا وجُرح العشرات في هجوم يشتبه أنه من تنفيذ تنظيم الدولة الإسلامية على كنيسة في دمشق في 22 يونيو.

وقبل إعلان ترامب المفاجئ عن تخفيف العقوبات خلال زيارته إلى السعودية، كانت الولايات المتّحدة تصرّ على تحقيق تقدّم أولا في مجالات رئيسية من بينها حماية الأقليات.

ولا تزال الولايات المتحدة تصنّف سوريا دولة “راعية للإرهاب”، وهو تصنيف قد يستغرق رفعه وقتا أطول، ويساهم أيضا في تثبيط الاستثمار بشكل كبير.

لكنّ وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أعلن الإثنين أنّ هذا التصنيف قد يتغير قريبا.

وقال روبيو في بيان “سأُعيد النظر بتصنيف هيئة تحرير الشام والرئيس الشرع كإرهابيين عالميين مُصنفين بشكل خاص، بالإضافة إلى تصنيف سوريا كدولة راعية للإرهاب”.

ويُعدّ رفع العقوبات عن سوريا نقطة تحول محورية لاقتصادها الذي عانى سنوات طويلة من التدهور والعزلة. هذا القرار يفتح أبوابًا موصدة أمام انتعاش التجارة الخارجية وتدفق السلع الأساسية، مما قد يخفف أعباء الاستيراد ويخفض الأسعار على المستهلكين.

 

والأهم من ذلك، أنه ينهي عزلة القطاع المصرفي السوري عن النظام المالي العالمي، مسهلًا التحويلات المالية ومساهمًا في استقرار قيمة الليرة المتدهورة، ليُشكل هذا الانفتاح المالي “شريان حياة” يعيد ضخ الأموال في شرايين الاقتصاد المنهك.

 

وبصرف النظر عن التداعيات الفورية، يمهد رفع العقوبات الطريق أمام جذب الاستثمارات الأجنبية اللازمة لإعادة بناء ما دمّرته الحرب، فسوريا بحاجة ماسة لتمويل مشاريع إعادة الإعمار في بنيتها التحتية المتضررة بعد خسائر اقتصادية تُقدر بمئات المليارات من الدولارات.

 

كما يفتح هذا القرار آفاقا واسعة أمام تنشيط قطاع الطاقة المتراجع، موفرا فرصا واعدة في مجالات الاستخراج والتكرير والنقل، ومع ذلك، يظل الطريق نحو التعافي الاقتصادي محفوفا بالتحديات، فالبيئة الاستثمارية تحتاج إلى إصلاحات جذرية لضمان الشفافية وجذب رؤوس الأموال، كما أن العقوبات المتبقية، كتصنيف سوريا دولة “راعية للإرهاب”، قد تظل عائقا أمام تدفق الاستثمارات الكبرى، ويبقى الأمل معقودا على أن يمثل هذا القرار بداية لمرحلة جديدة من النمو والاستقرار، شريطة أن يقترن بخطوات داخلية جادة لتعزيز الشفافية وتوفير بيئة جاذبة للاستثمار.

كما أكد وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر أن بلاده “مهتمة” بتطبيع علاقاتها مع سوريا ولبنان، مؤكدا أن هضبة الجولان السورية المحتلة ستبقى “جزءا لا يتجزأ” من إسرائيل في أي اتفاق سلام محتمل.

وتزايد الحديث عن لقاء محتمل بين الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في واشنطن، في حدث غير مسبوق بوساطة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وأكد ساعر خلال مؤتمر صحافي في القدس أن “إسرائيل مهتمة بتوسيع نطاق الاتفاقات الابراهيمية ودائرة السلام والتطبيع (في المنطقة)”، مضيفا “لدينا مصلحة في ضم دول جديدة، مثل سوريا ولبنان… إلى هذه الدائرة، مع الحفاظ على المصالح الأمنية والجوهرية لدولة إسرائيل”.

وشدد ساعر على أن إسرائيل لن تتخلى عن الجولان السوري الذي احتلت أجزاء واسعة منه في حرب عام 1967 وضمّتها في 1981، في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي باستثناء الولايات المتحدة.

وقال “إسرائيل فرضت قوانينها على هضبة الجولان قبل أكثر من 40 عاما، وفي أي اتفاق سلام، سيبقى الجولان جزءا لا يتجزأ من دولة إسرائيل”.

وجاءت تصريحات ساعر، بعد حديث الحاخام الأميركي أبراهام كوبر، نائب رئيس “مركز سايمون فيزنتال” اليهودي، عن “احتمال عقد لقاء مستقبلي بين الشرع ونتنياهو ممكن “إذا تدخل ترامب شخصيا”. وذلك بعد زيارته للعاصمة دمشق ولقائه الشرع.

وأضاف الحاخام “إذا تعهد ترامب للرئيس السوري بمساعدته في إعادة إعمار سوريا، فإن كل شيء يصبح ممكناً، بما في ذلك تطبيع العلاقات مع إسرائيل”، وكشف أنه ناقش مع الرئيس الشرع مبادرات للتعاون بين سوريا وإسرائيل في مجالات المياه والزراعة وكذلك تحديد مصير المفقودين من الطرفين.

وأضاف أن الشرع قدّم رؤية لسوريا موحدة بجيش واحد ومساواة في الحقوق، مشيرا إلى أن الشرع “إسلامي ولكنه مثير للاهتمام ويمكن الحوار معه”، معتبرا أن “قدرته على تنفيذ هذه الرؤية ستكون بمثابة تغيير لقواعد اللعبة”.

وتابع كوبر “هناك مساران محتملان لتحسين العلاقات بين سوريا وإسرائيل، الأول محلي يشمل خطوات لخفض التوتر عبر لقاءات دبلوماسية وعسكرية، والثاني دولي سريع يتطلب دعوة مباشرة من ترامب لكلا الزعيمين للجلوس في واشنطن في حال تعهد ترامب للشرع بمساعدته في إعادة إعمار بلاده، فإن كل شيء ممكن”.

كما أكد أنه “طرح على الرئيس السوري مبادرات للتعاون مع إسرائيل في مجالات المياه، الزراعة، وتحديد مصير المفقودين”. وشكر الحاخام الأميركي الشرع لمساهمته في نقل أرشيف الجاسوس إيلي كوهين لعائلته، وطلب مساعدته في إعادة رفاته.

ونوه كوبر بأن الشرع أكد له رغبته في السلام، ولكنه يرى أن “حل النزاع مع إسرائيل هو أولوية”.
وجاءت الزيارة قبيل انطلاق عملية “الأسد الصاعد” الإسرائيلية ضد إيران، تمت بمشاركة القس جوني مور المقرب من ترامب، بعد لقاء سابق في نيويورك مع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، ما مهد الطريق للوصول إلى دمشق.

وقالت “القناة 14” العبرية إن خريطة الطريق التي وضعها نتنياهو وترامب للتطبيع في الشرق الأوسط خلال الأشهر القريبة القادمة، تبدأ من سوريا وتركيا. وأضافت القناة العبرية أنه وفي الأسابيع الأخيرة أُحرز تقدم ملحوظ في المحادثات مع النظام الجديد في دمشق.

ويفهم في تل أبيب وواشنطن أن الرئيس السوري أحمد الشرع أقل اهتماما بإنهاء الحرب في غزة وأكثر اهتماما برفع العقوبات الأميركية عن بلاده. وصرح مصدر سياسي “الشرع لم يتحول إلى صهيوني لكن المصالح هي التي تملي عليه مسار خطواته”.

وتوضح القناة أنه وفي هذه الأثناء يسعى الأميركيون إلى ربط التطبيع مع سوريا أيضا بتحسين العلاقات بين إسرائيل وتركيا.

وتشير “القناة 14” العبرية إلى أنه وفي المرحلة التالية من المفترض أن تنضم السعودية لكنها لن تفعل ذلك إلا بعد انتهاء الحرب في غزة بسبب الرأي العام داخل المملكة.

وبحسب مصادر في تل أبيب، فإن انتهاء الحرب من المتوقع أن يحدث خلال الأشهر القريبة سواء عبر حسم عسكري أو من خلال صفقة استسلام من جانب حماس.

وفي حال انضمت السعودية، فالمتوقع هو التحاق إندونيسيا أكبر دولة مسلمة في العالم بالمملكة، والتي انتخبت فيها مؤخرا حكومة مؤيدة للغرب برئاسة برابوو سوبيانتو.

ومن المحتمل أن تنجح السعودية لاحقا بجلب أقرب حلفائها باكستان ثاني أكبر دولة مسلمة. أما بالنسبة لباكستان فالأمور أكثر تعقيدا، سواء بسبب التيارات الإسلامية القوية داخلها أو بسبب العلاقات الوثيقة بين إسرائيل والهند، وحالة الحرب أو التوتر الشديد بين إسلام آباد ونيودلهي.

واختتمت القناة بالقول “على أي حال، وفقا للخطط الموضوعة في القدس وواشنطن فإن كل ذلك من المفترض أن يحدث خلال النصف سنة إلى السنة القادمة هدف طموح ومتفائل للغاية، لكن في ظل التغيرات السريعة والدراماتيكية في المنطقة خاصة بعد سقوط إيران، كل شيء وارد”.

 

عاجل !!