الشرع في أنقرة على وقع ضغوط تركية لطي صفحة التمرد الكردي

هيئة التحرير5 يونيو 2025آخر تحديث :
الشرع في أنقرة على وقع ضغوط تركية لطي صفحة التمرد الكردي

الشرع في أنقرة على وقع ضغوط تركية لطي صفحة التمرد الكردي

تركيا تستثمر علاقاتها الوثيقة مع إدارة الشرع لتسريع سحب سلاح ‘قسد’ ودمجها في المؤسسة العسكرية السورية

خلال اللقاء الذي لم يعلن عنه مسبقا تحادث الزعيمان لأكثر من ساعتين ونصف ساعة وفق قناة “إن تي في” الإخبارية التركية الخاصة

حضر الاجتماع أيضا وزيرا الخارجية والدفاع التركيان هاكان فيدان وياشار غولر ورئيس الاستخبارات التركية إبراهيم قالن

تنظر تركيا إلى وجود قوة كردية مسلحة على حدودها الجنوبية على أنه تهديد مباشر لأمنها واستقرارها، خشية من دعمها للحركات الانفصالية داخل تركيا

تسعى أنقرة إلى إجبار الحكومة السورية في دمشق على نزع سلاح قوات سوريا الديمقراطية ”قسد” والتي تعتبر وحدات حماية الشعب الكردية عمودها الفقري

 

أنقرة / النهار

 التقى الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع في زيارة إلى تركيا الرئيس رجب طيب أردوغان في إسطنبول، وبينما لم يتم الكشف عن تفاصيل المحادثات، يرجح أنها تركزت على سحب سلاح الجماعات الكردية التي تشن عليها أنقرة بين الحين والآخر هجمات بذريعة مكافحة الإرهاب، في وقت تضغط تركيا على إدارة الشرع لتسريع اندماج القوات الكردية في مؤسسات الدولة.

 

وخلال اللقاء الذي لم يعلن عنه مسبقا، تحادث الزعيمان لأكثر من ساعتين ونصف ساعة، وفق قناة “إن تي في” الإخبارية التركية الخاصة.

وفي المشاهد التي نشرتها وكالة الأناضول، ظهر الرئيس التركي وهو يستقبل الشرع عند مدخل المكتب الرئاسي في قصر دولمه بهجة في اسطنبول.

من جهتها، قالت الرئاسة السورية عبر قناتها على تطبيق تيليغرام “وصل الرئيس السوري أحمد الشرع على رأس وفد حكومي ضم وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني، ووزير الدفاع مرهف أبوقصرة إلى قصر دولمه بهجه في إسطنبول، حيث التقى الرئيس رجب طيب إردوغان لبحث عدد من الملفات المشتركة”.

وحضر الاجتماع أيضا وزيرا الخارجية والدفاع التركيان هاكان فيدان وياشار غولر ورئيس الاستخبارات التركية إبراهيم قالن، ورئيس هيئة الصناعات الدفاعية التركية خلوق غورغون.

وتسعى أنقرة إلى إجبار الحكومة السورية في دمشق على نزع سلاح قوات سوريا الديمقراطية ”قسد” والتي تعتبر وحدات حماية الشعب الكردية عمودها الفقري وترى تركيا هذه القوات امتدادًا لحزب العمال الكردستاني المحظور لديها وتصنفه منظمة إرهابية تهدد أمنها القومي.

وتنظر تركيا إلى وجود قوة كردية مسلحة على حدودها الجنوبية على أنه تهديد مباشر لأمنها واستقرارها، خشية من دعمها للحركات الانفصالية داخل تركيا.

 

وتسعى أنقرة إلى إفشال أي مشروع للإدارة الذاتية الكردية في شمال شرق سوريا، متوجسة من أن يشجع ذلك الأكراد في تركيا على المطالبة بحقوق مماثلة.

 

ولا يزال الغموض يلف مصير الاتفاق الأخير على دمج قوات سوريا الديمقراطية في الجيش السوري، حيث تفضل ”قسد” الحفاظ على قيادة محلية لوحداتها، وهو ما ترفضه دمشق.

 

ويتوقع أن يؤدي الضغط لنزع السلاح والاندماج إلى تفاقم الانقسامات داخل المشهد السياسي الكردي في سوريا، بينما تحتاج دمشق إلى موازنة علاقاتها مع أنقرة مع الحفاظ على الاستقرار وحقوق الأكراد، المعترف بهم كجزء لا يتجزأ من الدولة السورية.

 

وسيؤدي إضعاف قسد إلى تغيير موازين القوى في شمال شرق سوريا لصالح تركيا والحكومة السورية وهو ما ترفضه القوى السياسية الكردية التي تدفع باتجاه إقرار حكم ذاتي.

 

وتعول تركيا على علاقتها الوثيقة مع إدارة الشرع في تحقيق أهدافها المتعلقة بطي صفحة القضية الكردية. وأنقرة من الداعمين البارزين للحكومة السورية الجديدة، ودعت مرارا المجتمع الدولي إلى رفع العقوبات التي فرضت على دمشق في عهد الرئيس المخلوع بشار الأسد.

 

وشارك الرئيس التركي عبر الإنترنت في اجتماع في الرياض بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والشرع في منتصف مايو/أيار.

 

وأعرب الرئيسان عن عزمهما على مكافحة التهديدات الإرهابية في سوريا بشكل مشترك. وتطالب أنقرة بطرد المقاتلين الأكراد الأجانب من شمال شرق سوريا وتقول إنها تريد مساعدة جارتها في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية.

الى ذلك أعلن مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، الجمعة، عن وجود اتصالات مباشرة بين قواته وتركيا، مشيراً إلى انفتاحه على تحسين العلاقات مع أنقرة، وحتى على لقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في المستقبل، فيما يأتي ذلك وسط تغيرات سياسية متسارعة خاصة قرار حزب العمال الكردستاني حل نفسه وكذلك نجاح دمشق حليفة انقرة في فك عزلتها عبر رفع العقوبات الأميركية ما سيفتح البلاد على استثمارات تفرض تحقيق الاستقرار.

وهذه التصريحات، التي جاءت خلال مقابلة بثتها قناة “شمس” التلفزيونية، تشكل تحولاً كبيراً في خطاب قسد التي طالما اتُهمت من أنقرة بأنها مجرد امتداد لحزب العمال الكردستاني المصنف كتنظيم إرهابي في تركيا والولايات المتحدة. وقد خاضت القوات التي يقودها عبدي مواجهات دامية مع القوات التركية والفصائل السورية المدعومة من أنقرة طوال سنوات الحرب الأهلية السورية التي اندلعت عام 2011.

تصريحات عبدي تكشف عن تحول غير مسبوق في مقاربة قسد للعلاقات مع تركيا، ما يثير تساؤلات عميقة حول خلفيات هذا التغير ومآلاته. فلطالما كانت العلاقة بين الطرفين قائمة على صراع وجودي، يتجذر في الخلافات القومية والجغرافية، إلا أن التحولات الإقليمية والدولية يبدو أنها بدأت تفرض واقعاً جديداً.

عبدي أكد في المقابلة أن هناك “قنوات اتصال مباشرة” بين قواته وأنقرة، إضافة إلى وساطات تتم عبر أطراف ثالثة، دون الإفصاح عن تفاصيل هذه القنوات أو الجهات الوسيطة. وقال “نحن لسنا في حالة حرب مع تركيا، ونأمل أن تتطور هذه العلاقات في المستقبل”.

 

نحن لسنا في حالة حرب مع تركيا

وربما لا يمكن فهم هذا التحول دون الإشارة إلى التطور الأبرز الذي شكل مفاجأة للأوساط السياسية والعسكرية في المنطقة، وهو إعلان حزب العمال الكردستاني حل نفسه مطلع الشهر الجاري، وذلك بعد توصية مباشرة من زعيمه المعتقل عبدالله أوجلان.

هذا القرار المفصلي أنهى أربعة عقود من القتال المستمر بين الحزب والدولة التركية، والذي راح ضحيته عشرات الآلاف. وقد فتح الباب أمام إعادة صياغة العلاقة بين القوى الكردية في سوريا وتركيا. ويبدو أن قسد، التي لطالما وُضعت في خانة التحالف مع الحزب، تحاول عبر هذه الاتصالات إعادة تموضعها السياسي والعسكري في المشهد السوري والإقليمي الجديد.

من العوامل الأخرى التي قد تفسّر هذا التغيير في موقف قسد، هو التقارب اللافت بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي شهد زخماً متزايداً خلال الشهور الماضية. فقد دفعت واشنطن باتجاه تهدئة الجبهات السورية وضمان استقرار المناطق الحدودية، لا سيما بعد الوساطة الأميركية التي نجحت في وقف إطلاق النار بين أنقرة وقسد في ديسمبر/كانون الاول الماضي.

الاتفاق حينها أوقف الاشتباكات التي اندلعت بعد تقدم جماعات المعارضة المسلحة المدعومة من تركيا نحو دمشق، وإسقاط النظام السابق بقيادة بشار الأسد، وهو حدث قلب المعادلات السياسية والعسكرية في البلاد، وأطلق ديناميكيات جديدة بين القوى الفاعلة.

وتواجه “قسد” ضغوطًا عسكرية مستمرة من تركيا والفصائل السورية الموالية لها. التواصل والحوار قد يكونان محاولة لتخفيف هذا الضغط وتجنب المزيد من التصعيد العسكري الذي قد يؤثر على قدرة “قسد” على مكافحة تنظيم “داعش” والحفاظ على سيطرتها على مناطقها.

ولا يمكن عزل هذا الانفتاح عن السياق السوري الأوسع. فقد بدأت البلاد تشهد في الآونة الأخيرة تحولات كبيرة، من بينها رفع العقوبات الأميركية، ورفع جزئي للعزلة الدولية التي فرضت على سوريا طوال سنوات الحرب. كما أن هناك مؤشرات على إقبال استثمارات أجنبية في مشاريع إعادة الإعمار، ما يتطلب حداً أدنى من الاستقرار السياسي والأمني.

في هذا السياق، يبدو أن قسد تسعى للخروج من عزلتها، وإعادة تعريف دورها كطرف فاعل في المعادلة السورية الجديدة، من خلال تبني سياسة أكثر براغماتية وانفتاحاً، حتى مع خصم تاريخي كتركيا.

وعندما سُئل عبدي في المقابلة عن إمكانية لقاء أردوغان، لم يستبعد ذلك، بل أكد أنه لا يعارض لقاء الرئيس التركي في المستقبل، مشيراً إلى أنهم “منفتحون على تطوير العلاقات، إذا كانت النية صادقة”. وأضاف: “ليس لدينا خطط فورية للقاء، لكن لا نرفض هذا المبدأ”.

من جانبها، لم تصدر تركيا حتى الآن أي تعليق رسمي على تصريحات عبدي، ما يفتح الباب لتكهنات حول مدى جدية هذا الانفتاح، وما إذا كان سيترجم فعلياً إلى خطوات ملموسة على الأرض.

كما وجّه حزب العمال الكردستاني انتقادات حادة إلى أنقرة اتهمها فيها بالمماطلة في تقديم أي ضمانات لتسهيل عملية السلام بعد أن حلّ الحزب نفسه تنفيذا لقرار مؤسسه عبدالله أوجلان بالتخلي عن السلاح، أملا في طي صفحة النزاع الذي استمر أربعة عقود وأسفر عن أكثر من 40 ألف قتيل، فيما تنذر الضربات التركية على معاقل مقاتلي الحزب في شمال العراق وسوريا بذريعة مكافحة الإرهاب و”تطهير” المنطقة، بنسف جهود تسوية الأزمة.

وقال زاغروس هيوا، المتحدث باسم الجناح السياسي لـ”العمال الكردستاني” إن “الحزب أبدى جدية في السلام لكن الدولة التركية لم تتخذ حتى الآن أي إجراء لتسهيل تنفيذ مسار السلام”، مضيفا أن “أنقرة واصلت قصفها المدفعي لمواقع التنظيم”.

وأعلنت قيادة “العمال الكردستاني” الأسبوع الماضي عن عدة قرارات من بينها حل الحزب وإنهاء الصراع المسلح والتخلي عن السلاح، داعيا الجميع للمشاركة في مرحلة السلام الجديدة، وإعادة تأسيس وضبط العلاقات التركية الكردية.

وأتت هذه القرارات بعد أن دعا الزعيم الكردي المسجون عبدالله أوجلان، في فبراير/شباط الماضي إلى نزع سلاح الحزب وحله، فيما رحبت الحكومة التركية بالإعلان وأكد الرئيس رجب طيب أردوغان على أهمية أن تتخذ فروع العمال الكردستاني في سوريا وأوروبا قرارات مماثلة.

وقال زاغروس “نتوقع من الدولة التركية تعديل شروط الحجز الانفرادي في سجن جزيرة إمرالي وتوفير ظروف عمل حرة وآمنة للزعيم أوجلان المعروف بـ’آبو’ حتى يتمكن من قيادة العملية”، مشددا على أنه كبير مفاوضي الحزب.

وأكد رفض حزبه نفي مقاتليه إلى خارج البلاد، قائلا إن “السلام الحقيقي يتطلب الاندماج، وليس النفي”، مضيفا “إذا كانت الدولة التركية تريد إنهاء الصراع بصدق وجدية، فيتعين عليها إجراء التعديلات القانونية اللازمة لدمج أعضاء حزب العمال الكردستاني في مجتمع ديموقراطي”.

ويتمركز مقاتلو الحزب في جبال في إقليم كردستان في شمال العراق حيث تقيم أنقرة قواعد عسكرية وتشن غارات ضد مواقع المقاتلين الأكراد.

وبينما لم يتضح بعد مصير مقاتليه الذي يأملون في الحصول على عفو، أفادت وسائل إعلام تركية بأنه من المتوقع أن يُسمح بعودة أولئك الذين لم يرتكبوا أي “جرم”، فيما سيتم دفع قادة الحزب إلى المنفى في بلد ثالث قد يكون النروج أو جنوب أفريقيا، أو يبقون في العراق.

ويرى مراقبون أن نجاح عملية السلام يعتمد على اتخاذ خطوات ملموسة من جانب الحكومة التركية، مثل ضمان الحقوق الثقافية واللغوية للأكراد وإطلاق سراح السجناء السياسيين وإنهاء الغموض بشأن مستقبل مقاتلي ”العمال الكردستاني”.

وعلى الرغم من الترحيب بالإعلان، لا يزال هناك تحفظ من جانب الحكومة التركية، التي أكدت على ضرورة اتخاذ فروع الحزب قرارات مماثلة ومواصلة العمليات العسكرية حتى “تطهير المنطقة” بشكل كامل.

وتشير تقارير إلى استمرار الضربات التركية على مواقع الحزب الذي تصنفه أنقرة “تنظيما إرهابيا”، ما أثار المخاوف من إهدار فرصة إنهاء الصراع.

وشنت تركيا خلال الأعوام الماضية ضربات جوية استهدفت عدة مناطق في شمال العراق، حيث تتمركز قيادات وعناصر الحزب في مناطق جبلية مثل جبال قنديل.

كما نفذت أنقرة عمليات برية في العراق لملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني وإنشاء قواعد عسكرية، فيما اقتصر موقف بغداد على التنديد بالغارات، معتبرة أنها تشكل انتهاكا لسيادة البلاد.

ويرى محللون أن تحقيق سلام دائم بين أنقرة والحزب يتطلب خطوات عملية وملموسة من جميع الأطراف، بما في ذلك وقف العمليات العسكرية وبناء الثقة المتبادلة.

ويعتبر الأكراد أكبر أقلية في تركيا، وينتشرون في دول عدة في المنطقة خصوصاً العراق وسوريا وإيران وكان للصراع بين “العمال الكردستاني” وتركيا تبعات على المنطقة.

وفي سوريا، تسيطر قوات سوريا الديموقراطية “قسد” التي يقودها مقاتلون أكراد على مناطق واسعة في شمال وشمال شرق البلاد، لكن تركيا تتهم مكونها الرئيسي، وحدات حماية الشعب الكردية، بالارتباط بحزب العمال الكردستاني.

وشنت أنقرة عدة هجمات في شمال شرق سوريا ضد هذه القوات، المدعومة أميركياً وتخوض منذ أشهر مفاوضات صعبة مع السلطة السورية الجديدة التي اطاحت بحكم الرئيس السابق بشار الأسد.

وقال هيوا “نحن لا نتدخل في الشؤون المتعلقة بقوات سوريا الديموقراطية، بل إن قضيتها تتعلق بها وعلاقات الدولة التركية مع دمشق”.

وتابع أن “العملية الحالية هي بين حزب العمال الكردستاني وتركيا، ولا يوجد أي طرف آخر مشارك فيها، إلا أنه سيكون لها بالتأكيد تداعيات إيجابية لحل القضية الكردية في مناطق أخرى من كردستان”.

عاجل !!