ازدواجية ام حرية مشروطة ام انتقائية مقصودة..هكذا التعامل مع الاعلام والصحافة! / بقلم:احسان باشي العتابي

هيئة التحرير5 يونيو 2025آخر تحديث :
ازدواجية ام حرية مشروطة ام انتقائية مقصودة..هكذا التعامل مع الاعلام والصحافة! / بقلم:احسان باشي العتابي

لا يخفى على الجميع ،ان الاعلام ومنذ فترة طويلة_قد تتجاوز العقود من الزمان _يعرف بانه “السلطة الرابعة”،نظرا لدوره الحيوي في تشكيل الراي العام، ومساءلة السلطات، ومتابعة الشان العام. غير ان هذا الدور، وان  كان نظريا معترفا به، الا انه عمليا، يواجه عراقيل وممارسات تقلل من قيمته، وتقيده بقيود ليست من القانون، بل تارة بمزاج سلطوي ،وتارة اخرى بمزاج بيروقراطي ،وهذا الوصف على وجه الخصوص، لعله من اعدل الأوصاف ،تجاه ما يلحق بالاعلاميين عامة والصحفيين خاصة ،من اساءات وتجاوزات بلغت حتى التصفية الجسدية،وهذا ليس مبالغة بقدر ما هو واقع ملموس.

يوسفنا القول ،ان في واقعنا العراقي_الجديد_، كثيرا ما نصطدم بازدواجية فاضحة في التعامل مع الصحافة؛ ففي حين ترفع الشعارات الرنانة، حول حرية التعبير و”الانفتاح الإعلامي”، نجد في الممارسة اليومية، ان هذه الحرية مشروطة! وان الصحفي في كثير من الأحيان، يعامل بريبة،او يواجه باجراءات تعسفية، لا تمت للمنطق ولا للمهنية بصلة،فضلا عن القواتين التي كفلت حقوقه باداء مهامه المناطة به باعتباره صحفي.

قبل ايام قلائل،حدث معي موقف بسيط، حيث قصدت مقر مجلس محافظة واسط في مركز مدينة الكوت،بغية عمل يتعلق بالشان العام. وكما هو معتاد، مررت عبر الاستعلامات،اذ استقبلني احد المنتسبين الامنيين، وطلب مني تسليم هاتفي المحمول؛ اجبته باني صحفي، فاذا به يشير الى قائمة موضوعة امامه وقال لي: ” هل اسمك موجود في هذه القائمة؟” تفاجات بالسؤال، لكن كنت مضطرا لتصفح القائمة ولو من باب العلم بالشيء، فلم اجد اسمي، رغم اني صحفي معروف في محيطي المهني، وحين اخبرته بذلك، اصر على تسليم هاتفي امتثالا للتعليمات،فاضطررت الى تسليم جهاز الموبايل الخاص بي، احتراما للموعد المحدد مع احد اعضاء المجلس.

لكن صراحة،ان الشعور الذي رافقني بعد ذلك ،كان اشبه بالمرارة؛ اذ بدا لي ،كاني ضيف غير مرغوب فيه،او ان حضوري لم يكن متوقعا ولا مرحبا به، كما لو ان العمل الصحفي اصبح يحتاج الى “دعوة رسمية” او ترخيص شخصي من السلطة لتاديته!

ان هذه التجربة ،دعتني اطرح تساؤلات مشروعة مقترنة بعلامات تعجب:

هل حرية الاعلام في العراق اصبحت حكرا على اعلاميين بعينهم؟!

هل اصبح الصحفي يقاس بدرجة ولائه لا بمهنيته؟!

واذا كان بيت الشعب_كما هو معلن_ لا يفتح ابوابه الا لصحفيين معينين، فما الفارق اذا بينه وبين اي ناد ثقافي او ما شابهه لا يسمح بدخول الا اعضائه المنتمين له؟!

ما نخشاه بالحقيقة ،ان يكون الاعلام الذي يراد له ان يعمل، هو الاعلام المصفق،او ذلك الذي يغض الطرف عن مواطن الخلل، في العمل المؤسساتي الرسمي ،ويعمد الى تجميل الواقع، لا لكشفه وتحليله. وما دون ذلك، فهو اعلام غير مرحب به، يعامل بانتقائية، ويواجه باجراءات غريبة تعيق عمله وتقلل من هيبته.

ليعلم ويعي الجميع ،بمن فيهم ذوي السلطة ،ان حرية الاعلام، ليست مكرمة من السلطة ايا كانت ،بل هي حق دستوري، وضمان لممارسة ديمقراطية صحية. واي تعامل مزدوج معها، لا يعد سوى تعبير عن قلق بعض المؤسسات من الحقيقة، وعن ميل واضح لتحجيم الاصوات المستقلة، الذين امتطوا مهنة المتاعب،من اجل الاهداف النبيلة،مهما كانت تداعيات بلوغ تلك الاهداف.

وقبل الخاتمة،بودي ان اطلع جميع الموسسات الحكومية في محافظة واسط، ويضمنها مجلس المحافظة، على الفقرات القانونية، التي تكفل حق الصحفي بممارسة عمله بكل حرية ،ما دام ملتزم بها ،بامل ان يستوعبوها خدمة للصالح العام، الذي طالما يتغنون بخدمته في جميع خطاباتهم:

1_الدستور العراقي لعام 2005 – المادة (38)،حيث تنص بوضوح على حماية حرية التعبير والصحافة:” تكفل الدولة، بما لا يخل بالنظام العام والاداب”:

أولا: حرية التعبير عن الراي بكل الوسائل.

ثانياً:حرية الصحافة والطباعة والاعلان والاعلام والنشر.

هذه المادة، تؤكد ان الصحفي لا يشترط ان يكون مرخصا او مدرجا في قائمة من قِبل جهة امنية،كي يمارس عمله، بل ان حرية الاعلام مكفولة له كحق دستوري، لا كامتياز يمنح او يسحب.

2_ قانون حقوق الصحفيين العراقيين رقم (21) لسنة 2011:

المادة (2):” تكفل الدولة حرية الصحفي وحقه في التعبير، ولا يجوز اتخاذ اي اجراء تعسفي ضده بسبب عمله الصحفي”.

المادة (4):” لا يجوز استدعاء الصحفي او مساءلته عن عمله ما لم يكن هناك خرق للقانون”.

المادة (8):” للصحفي حق الحصول على المعلومات والانباء والاحصائيات من مصادرها المختلفة، وله الحق في الاطلاع عليها، ويجب تسهيل مهمته”.

هذه المواد القانونية بمجملها، تشكل حماية قانونية صريحة للصحفي، وتلزم جميع الجهات، بما فيها الموسسات الامنية والادراية، بتسهيل مهمة الاعلامي لا تعقيدها او تقييدها.

  1. المبادئ الدولية:

اولا:الاعلان العالمي لحقوق الانسان – المادة (19):” لكل شخص الحق في حرية الراي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الاراء دون تدخل، واستقاء الانباء والافكار وتلقيها واذاعتها باي وسيلة كانت دونما اعتبار للحدود”.

ثانيا:العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (1966) – المادة (19):” لكل انسان الحق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق، حرية التماس مختلف ضروب المعلومات والافكار وتلقيها ونقلها الى الاخرين”.

وختاما،ان ما حدث معي،في مجلس محافظة واسط من تصرف ،يعد مخالفة واضحة لنصوص الدستور العراقي، ولقانون حقوق الصحفيين ،وللمواثيق الدولية التي التزم بها العراق.

عاجل !!